نور ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، بكل نظرة يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويغسل ويفك ، ويفعل ما يشاء. فذلك قوله تبارك وتعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١).
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا إسحاق ، هو الحنظلي ، حدثنا عبد الرزاق ، عن عمر بن حبيب المكي ، عن حميد بن قيس الأعرج ، عن طاوس ، قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسأله : مم خلق الخلق؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل : فمم خلق هؤلاء؟ قال : لا أدري. قال : ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فسأله فقال مثل قول عبد الله بن عمرو. قال : فأتى الرجل عبد الله بن عباس ، فسأله فقال مم خلق الخلق؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل : فمم خلق هؤلاء؟ فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٢). فقال الرجل : ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم.
قلت : أراد أن مصدر الجميع منه ، أي : من خلقه وإبداعه واختراعه. خلق الماء أولا ، أو الماء وما شاء من خلقه ، لا عن أصل ولا على مثال سبق. ثم جعله أصلا لما خلق بعده. فهو المبدع ، وهو البارئ ، لا إله غيره ولا خالق سواه.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ـ هو الأصم ـ حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا علي بن ثابت ، حدثنا القاسم بن سلمان ، قال : سمعت الشعبي يقول : إن لله عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الاندلس ما يرون أن الله عزوجل عصاه مخلوق رضراضهم الدر والياقوت ، وجبالهم الذهب والفضة ، لا يحرثون ولا يزرعون ، ولا يعملون عملا ، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم ، وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم.
__________________
(١) سورة الرحمن آية ٢٩.
(٢) سورة الجاثية آية ١٣.