يكون على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له بما هو مبدعه ، لكن على أنه كان عالما بما أبدع قبل أن يبدع ، فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع ، وجب له اسم البارئ.
والآخر : أن المراد بالبارئ قالب الأعيان. أي أنه أبدع الماء والتراب. والنار ، والهواء ، لا من شيء ، ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال (جل وعز) : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (١).
وقال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) (٢).
وقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ). (٣).
وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٤).
وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (٥).
وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٦).
فيكون هذا من قولهم : برأ القواس القوس إذا صنعها من موادها التي كانت لها ، فجاءت منها ، لا كهيئتها. والاعتراف لله (عزوجل) بالإبداع يقتضي الاعتراف له بالبرء ، إذ كان المعترف يعلم من نفسه أنه منقول من حال إلى حال ، إلى أن صار ممن يقدر على الاعتقاد والاعتراف. والله أعلم.
ومنها : (الذارئ) قال الحليمي : ومعناه المنشئ والمنمي. قال الله (عز
__________________
(١) سورة الأنبياء آية ٣٠.
(٢) سورة ص آية ٧١.
(٣) سورة الروم آية ٢٠.
(٤) سورة النحل آية ٤.
(٥) سورة الرحمن الآيتان ١٤ ـ ١٥.
(٦) سورة المؤمنون الآيات ١٢ ـ ١٤.