بعيدة عن الصحة. وتأوّل بعضهم هذا فقال : إنه لما رأى الكوكب ، ذكر تلك المرأة ، لا أن المرأة مسخت نجما. واختلف العلماء في كيفية عذابهما ؛ فروي عن ابن مسعود أنهما معلّقان بشعورهما إلى يوم القيامة ، وقال مجاهد : إن جبّا ملئ نارا فجعلا فيه.
فأمّا بابل ؛ فروي عن الخليل أن ألسن الناس تبلبلت بها. واختلفوا في حدّها على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها : الكوفة وسوادها ، قاله ابن مسعود. والثاني : أنها من نصيبين إلى رأس العين ، قاله قتادة. والثالث : أنها جبل في وهدة من الأرض ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي اختبار وابتلاء. قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، يريد : بقضائه. (وَلَقَدْ عَلِمُوا) : إشارة إلى اليهود (لَمَنِ اشْتَراهُ) ، يعني : اختاره ، يريد : السحر. واللام لام اليمين. فأما الخلاق ؛ فقال الزّجّاج : هو النّصيب الوافر من الخير. قوله تعالى : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) ، أي : باعوها به ، (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) العقاب فيه.
فصل : اختلف الفقهاء في حكم الساحر (١) ؛ فمذهب إمامنا أحمد رضي الله عنه أنه يكفر بسحره ، قتل به ، أو لم يقتل ، وهل تقبل توبته؟ على روايتين. وقال الشّافعيّ : لا يكفر بسحره ، فإن قتل بسحره وقال : سحري يقتل مثله ، وتعمّدت ذلك ، قتل قودا. وإن قال : قد يقتل ، وقد يخطئ ، لم يقتل ، وفيه الدّية. فأما ساحر أهل الكتاب ، فإنه لا يقتل عند أحمد إلا أن يضرّ بالمسلمين ، فيقتل لنقض العهد ، وسواء في ذلك الرجل والمرأة. وقال أبو حنيفة : حكم ساحر أهل الكتاب حكم ساحر المسلمين في
____________________________________
مجهول ، وكرره الطبري ١٦٨٥ عن ابن مسعود وابن عباس ، وفيه علي بن زيد ضعيف روى مناكير.
ـ وكرره برقم ١٦٨٦ عن علي ، وقد استغربه ابن كثير ١ / ١٤٣ جدا ، وأعله ابن حزم في «الملل» بعمير بن سعيد واتهمه بهذا الحديث ، وأنه كذب.
ـ وكرره ١٦٨٩ عن السدي قوله و ١٦٩٠ عن الربيع قوله و ١٦٩٢ عن مجاهد قوله ، وهو الراجح.
فهو باطل مرفوعا ، وإنما هو عن كعب الأحبار ، وعنه أخذه مجاهد وغيره ، ولا أصل له في المرفوع ، ولهذا لم يروه البغوي مرفوعا ، وقد قدح بصحته ابن العربي في «أحكام القرآن» حيث قال : إنما سقنا هذا الخبر لأن العلماء رووه ودونوه ، وتحقيق القول أنه لم يصح سنده. ورده القرطبي أيضا في «تفسيره» ٢ / ٥٢ حيث قال : هذا كله ضعيف ، وبعيد عن ابن عمر وغيره ، لا يصح منه شيء اه باختصار. وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي بتخريجي رقم ٢٣١ و «تفسير الشوكاني» ٢٠٠ بتخريجي ، والله الموفق.
الخلاصة : هو حديث باطل لا أصل له. والظاهر أنه من أساطير الإسرائيليين وافتراءاتهم ، ومصدره كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما ممن يروي الإسرائيليات.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٢ / ٢٩٩ : السحر : وهو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور ، أو قلبه ، أو عقله ، من غير مباشرة له. وله حقيقة ، فمنه ما يقتل وما يمرض ، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ، ومنه ما يفرّق بين المرء وزوجه وما يبغّض أحدهما إلى الآخر ، أو يحبب بين الاثنين وهذا قول الشافعي. وذهب بعض أصحابه إلى أنه لا حقيقة له ، إنما هو تخييل ، لأن الله تعالى قال : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى). وقال أصحاب أبي حنيفة : إن كان شيئا يصل إلى بدن المسحور كدخان ونحوه ، جاز أن يحصل منه ذلك ، فأما أن يحصل المرض والموت من غير أن يصل إلى بدنه شيء فلا يجوز ذلك.