بمعنى : تدارأتم ، أي : تدافعتم ، وألقى بعضكم على بعض ، تقول : درأت فلانا : إذا دفعته ، وداريته : إذا لاينته ، ودريته إذا ختلته ، فأدغمت التاء في الدال ، لأنهما من مخرج واحد ، فأما الذي كتموه ؛ فهو أمر القتيل.
(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣))
قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها). من قال : أقاموا في طلبها أربعين سنة ، قال : ضربوا قبره ، ومن لم يقل ذلك ، قال : ضربوا جسمه قبل دفنه ، وفي الذي ضرب به ستة أقوال : أحدها : أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف ، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : وذلك العظم هو أصل الأذن ، وزعم قوم أنه لا يكسر ذلك العظم من أحد فيعيش. قال الزّجّاج : الغضروف في الأذن ، وهو : ما أشبه العظم الرقيق من فوق الشّحمة ، وجميع أعلى صدفة الأذن ، وهو معلق الشّنوف ، فأما العظمان اللذان خلف الأذن الناتئان من مؤخّر الأذن ، فيقال لهما : الخشّاوان ، والخششاوان ، واحدهما : خشّاء ، وخششاء. والثاني : أنه ضرب بالفخذ ، روي عن ابن عباس أيضا ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وذكر عكرمة ومجاهد أنه الفخذ الأيمن. والثالث : أنه البضعة التي بين الكتفين ، رواه السّدّيّ عن أشياخه. والرابع : أنه الذّنب ، رواه ليث عن مجاهد. والخامس : أنه عجب الذّنب ، وهو عظم عليه بني البدن ، روي عن سعيد بن جبير. والسادس : أنه اللّسان ، قاله الضّحّاك. وفي الكلام اختصار تقديره : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا ، فضربوه فحيي ، فقام فأخبر بقاتله. وفي قاتله أربعة أقوال : أحدها : بنو أخيه ، رواه عطية عن ابن عبّاس. والثاني : ابنا عمّه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهذان القولان يدلّان على أن قاتله أكثر من واحد. والثالث : ابن أخيه ، قاله السّدّيّ عن أشياخه وعبيدة. والرابع : أخوه ، قاله عبد الرحمن بن زيد. قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) فيه قولان : أحدهما : أنه خطاب لقوم موسى. والثاني : لمشركي قريش ، احتجّ عليهم إذ جحدوا البعث بما يوافق عليه أهل الكتاب. قال أبو عبيدة : وآياته : عجائبه.
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤))
قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) ، قال إبراهيم بن السّريّ : قست في اللغة : غلظت ويبست وعست. فقسوة القلب : ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه. والقاسي : والعاسي : الشديد الصلابة. وقال ابن قتيبة : قست وعست وعتت واحد ، أي : يبست.
وفي المشار إليهم بها قولان : أحدهما : جميع بني إسرائيل. والثاني : القاتل.
قال ابن عباس : قال الذين قتلوه بعد أن سمّى قاتله : والله ما قتلناه. وفي كاف «ذلك» ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إشارة إلى إحياء الموتى ، فيكون الخطاب لجميع بني إسرائيل. والثاني : إلى كلام القتيل ، فيكون الخطاب للقاتل ، ذكرهما المفسّرون. والثالث : إلى ما شرح من الآيات من مسخ القردة والخنازير ، ورفع الجبل وانبجاس الماء ، وإحياء القتيل ، ذكره الزّجّاج.