والرابع : أنهم قالوا : حبّة حنطة مثقوبة فيها شعيرة سوداء ، قاله السّدّيّ عن أشياخه.
والخامس : أنهم قالوا : سنبلاثا ، قاله أبو صالح.
فأما الرّجز ؛ فهو العذاب ، قاله الكسائيّ وأبو عبيدة والزّجّاج. وأنشدوا لرؤبة :
كم رأينا في ذي عديد مبزي |
|
حتى وقمنا كيده بالرّجز (١) |
وفي ماهية هذا العذاب ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ظلمة وموت ، فمات منهم في ساعة واحدة ، أربعة وعشرون ألفا ، وهلك سبعون ألفا عقوبة ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه أصابهم الطاعون ، عذّبوا به أربعين ليلة ثم ماتوا ، قاله وهب بن منبه. والثالث : أنه الثلج ، هلك به منهم سبعون ألفا ، قاله سعيد بن جبير.
(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠))
قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ). استسقى بمعنى : استدعى ذلك ، كقولك : استنصر. وفي «الحجر» قولان : أحدهما : أنه حجر معروف عيّن لموسى ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، وعطيّة ، وابن زيد ، ومقاتل ، واختلفوا في صفته على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان حجرا مربعا ، قاله ابن عباس. والثاني : كان مثل رأس الثور ، قاله عطيّة. والثالث : مثل رأس الشاة ، قاله ابن زيد. وقال سعيد بن جبير : هو الذي ذهب بثياب موسى. فجاءه جبريل فقال : إن الله تعالى يقول لك : ارفع هذا الحجر ، فلي فيه قدرة ، ولك فيه معجزة ، فكان إذا احتاج إلى الماء ضربه. والقول الثاني : أنه أمر بضرب أي حجر كان ، والأول أثبت.
قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ). تقدير معناه : فضرب فانفجرت ، فلما عرف بقوله : «فانفجرت» أنه قد ضرب ، اكتفى بذلك عن ذكر الضرب ، ومثله : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (٢) ، قاله الفرّاء.
ولما كان القوم اثني عشر سبطا ، أخرج الله لهم اثني عشرة عينا ، ولأنه كان فيهم تشاحن فسلموا بذلك منه. قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا). العثو : أشدّ الفساد ، يقال : عثي ، وعثا ، وعاث. قال ابن الرّقاع :
لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عثا |
|
فيه المشيب لزرت أمّ القاسم |
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١))
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) ، هذا قولهم في التّيه ، وعنوا بالطعام
__________________
(١) في «اللسان» : وقمت الرجل عن حاجته : رددته أقبح الردّ.
(٢) الشعراء : ٦٣.