لا يرى بعضهم بعضا ، فقالوا : فما آية توبتنا؟ قال : أن يقوم السلام ولا يقتل ، وترفع الظّلمة. فقتلوا حتى خاضوا في الدماء ، وصاح الصبيان : يا موسى : العفو العفو. فبكى موسى ، فنزلت التوبة ، وقام السّلام ، وارتفعت الظّلمة. قال مجاهد : بلغ القتلى سبعين ألفا. قال قتادة : جعل القتل للقتيل شهادة ، وللحيّ توبة.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦))
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً). في القائلين لموسى ذلك قولان : أحدهما : أنهم السبعون المختارون ، قاله ابن مسعود وابن عباس. والثاني : جميع بني إسرائيل إلا من عصم الله منهم ، قاله ابن زيد ، قال : وذلك أنه أتاهم بكتاب الله ، فقالوا : والله لا نأخذ بقولك حتى نرى الله جهرة ؛ فيقول : هذا كتابي.
وفي (جَهْرَةً) قولان : أحدهما : أنه صفة لقولهم ، أي : جهروا بذلك القول ، قاله ابن عباس ، وأبو عبيدة. والثاني : أنها الرؤية البيّنة ، أي : أرناه غير مستتر بشيء ، يقال : فلان يتجاهر بالمعاصي ، أي : لا يستتر من الناس ، قاله الزّجّاج. ومعنى «الصاعقة» : ما يصعقون منه ، أي : يموتون. ومن الدليل على أنهم ماتوا ، قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) هذا قول الأكثرين. وزعم قوم أنهم لم يموتوا ، واحتجّوا بقوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) (١) وهذا قول ضعيف ، لأن الله تعالى فرق بين الموضعين ، فقال هناك : (فَلَمَّا أَفاقَ) ، وقال هاهنا : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) والإفاقة للمغشيّ عليه ، والبعث للميت. قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن معناه : ينظر بعضكم إلى بعض كيف يقع ميتا. والثاني : ينظر بعضكم إلى إحياء بعض. والثالث : تنظرون العذاب كيف ينزل بكم ، وهو قول من قال : نزلت نار فأحرقتهم.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧))
قوله تعالى : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ). الغمام : السّحاب ، سمّي غماما ، لأنه يغمّ السماء ، أي : يسترها ، وكل شيء غطيته فقد غممته ، وهذا كان في التّيه.
وفي «المنّ» ثمانية أقوال : أحدها : أنه الذي يقع على الشجر فيأكله الناس ، قاله ابن عباس والشّعبيّ والضّحّاك. والثاني : أنه التّرنجبين (٢) ، روي عن ابن عباس أيضا ، وهو قول مقاتل. والثالث : أنه صمغة ، قاله مجاهد. والرابع : أنه يشبه الرّبّ الغليظ (٣) ، قاله عكرمة. والخامس : أنه شراب ، قاله أبو العالية ، والرّبيع بن أنس. والسادس : أنه خبز الرّقاق مثل الذّرة ، أو مثل النّقي ، قاله وهب.
__________________
(١) الأعراف : ١٤٣.
(٢) الترنجبين : هو ندى شبيه بالعسل يقع من السماء.
(٣) الرّبّ : بالضمّ دبس الرّطب إذا طبخ. انظر «المصباح».