إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

64/606
*

رعدة ، قال مقاتل : تفرق الماء يمينا وشمالا كالجبلين المتقابلين ، وفيهما كوى ينظر كل سبط إلى الآخر. قال السّديّ : فلما رآه فرعون متفرّقا قال : ألا ترون البحر فرق مني ، فانفتح لي؟! فأتت خيل فرعون فأبت أن تقتحم ، فنزل جبريل على ماذيانة فتشامّت الحصن (١) ريح الماذيانة ، فاقتحمت في إثرها ، حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ، ودخل آخرهم ، أمر البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم.

(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١))

قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ). قرأ أبو جعفر وأبو عرو : «وعدنا» بغير ألف هاهنا ، وفي (الأعراف) و (طه) ، ووافقهما أبان عن عاصم في (البقرة) خاصة. وقرأ الباقون «واعدنا» بألف. ووجه القراءة الأولى : إفراد الوعد من الله تعالى ، ووجه الثانية : أنه لما قبل موسى وعد الله عزوجل ، صار ذلك مواعدة بين الله تعالى وبين موسى. ومثله : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (٢). ومعنى الآية : وعدنا موسى تتمة أربعين يوما أو انقضاء أربعين ليلة. وموسى : اسم أعجميّ ، أصله بالعبرانية : موشا ، فمو : هو الماء ، وشا : هو الشجر ، لأنه وجد عند الماء والشجر ، فعرّب بالسين. ولما ذا كان هذا الوعد؟ فيه قولان : أحدهما : لأخذ التوراة. والثاني : للتكليم. وفي هذه المدّة قولان : أحدهما : أنها ذو القعدة وعشر من ذي الحجّة! وهذا قول من قال : كان الوعد لإعطاء التوراة. والثاني : أنها ذو الحجّة وعشر من المحرّم ، وهو قول من قال : كان الوعد للتكليم. وإنما ذكرت الليالي دون الأيام ، لأن عادة العرب التأريخ بالليالي ، لأن أول الشهر ليله ، واعتماد العرب على الأهلّة ، فصارت الأيام تبعا لليالي. وقال أبو بكر النّقّاش (٣) : إنما ذكر الليالي ، لأنه أمره أن يصوم هذه الأيام ويواصلها بالليالي ، فلذلك ذكر الليالي ، وليس بشيء.

(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢))

قوله تعالى : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ) ، من بعده ، أي : من بعد انطلاقه إلى الجبل.

الإشارة إلى اتخاذهم العجل

روى السّدّيّ عن أشياخه أنه لما انطلق موسى ، واستخلف هارون ، قال هارون : يا بني إسرائيل! إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حليّ القبط غنيمة فاجمعوه واحفروا له حفيرة (٤) ، فادفنوه ، فإن أحلّه

__________________

(١) الماذيانة : الفرس. والحصن : جمع حصان.

(٢) البقرة : ٢٣٥.

(٣) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ، ثم البغدادي ، أبو بكر النقاش المقرئ المفسّر.

روى عن أبي مسلم الكجي ، وطبقته ، وقرأ بالروايات ، ورحل إلى عدة مدائن ، وتعب واحتيج إليه ، وصار شيخ المقرئين في عصره على ضعف فيه. قال طلحة بن محمد الشاهد : كان النقاش يكذب في الحديث ، والغالب عليه القصص. وقال البرقاني : كل حديث النقاش منكر. قال أبو القاسم اللالكائي : تفسير النقاش إشقاء الصدور ، وليس بشفاء. الصدور توفي النقاش ٣٥١. وانظر «الميزان» للذهبي ٧٤٠٤.

(٤) في «اللسان» الحفيرة والحفر والحفير : البئر الموسعة فوق قدرها.