على قول السّدّيّ. وهذان القولان يخرجان على أنهما سألوا الآيات. والثالث : أن القوم هم الذين سألوا في شأن البقرة وذبحها ، فلو ذبحوا بقرة لأجزأت ، ولكنهم شدّدوا فشدّد الله عليهم ، قاله ابن زيد. وهذا يخرج على سؤال من سأل عن الحجّ ، إذ لو أراد الله أن يشدّد عليهم بالزّيادة في الفرض لشدّد. والرابع : أنهم الذين قالوا لنبي لهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، وهذا عن ابن زيد أيضا ، وهو يخرج على من قال : إنما سألوا عن الجهاد والفرائض تمنّيا لذلك. قال مقاتل : كان بنو إسرائيل يسألون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أخبروهم بها تركوا قولهم ولم يصدّقوهم ، فأصبحوا بتلك الأشياء كافرين.
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣))
قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) أي : ما أوجب ذلك ، ولا أمر به. وفي «البحيرة» أربعة أقوال : أحدها : أنها النّاقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا نحروه ، فأكله الرجال والنساء ، وإن كان أنثى شقّوا أذنها ، وكانت حراما على النّساء لا ينتفعن بها ، ولا يذقن من لبنها ، ومنافعها للرّجال خاصّة ، فإذا ماتت ، اشترك فيها الرّجال والنّساء ، قاله ابن عباس ، واختاره ابن قتيبة. والثاني : أنها النّاقة تلد خمس إناث ليس فيهنّ ذكر ، فيعمدون إلى الخامسة ، فيبتكون أذنها ، قاله عطاء. والثالث : أنها ابنة السّائبة ، قاله ابن إسحاق ، والفرّاء. قال ابن إسحاق : كانت النّاقة إذا تابعت بين عشر إناث ، ليس فيهنّ ذكر ، سيّبت ، فإذا نتجت بعد ذلك أنثى ، شقّت أذنها ، وسمّيت بحيرة ، وخلّيت مع أمّها. والرابع أنها النّاقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها ، أي : شقّوها ، وامتنعوا من ركوبها وذبحها ، ولا تطرد عن ماء ، ولا تمنع عن مرعى ، وإذا لقيها لم يركبها ، قاله الزجّاج.
فأمّا «السّائبة» ، فهي فاعلة بمعنى : مفعولة ، وهي المسيّبة ، كقوله تعالى : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*) : أي مرضيّة. وفي السّائبة خمسة أقوال : أحدها : أنها التي تسيّب من الأنعام للآلهة ، لا يركبون لها ظهرا ، ولا يحلبون لها لبنا ، ولا يجزّون منها وبرا ، ولا يحملون عليها شيئا ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : أن الرجل كان يسيّب من ماله ما شاء ، فيأتي به خزنة الآلهة ، فيطعمون ابن السبيل من ألبانه ولحومه إلّا النّساء ، فلا يطعمونهنّ شيئا منه إلا أن يموت ، فيشترك فيه الرجال والنساء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وقال الشّعبيّ : كانوا يهدون آلهتهم الإبل والغنم ، ويتركونها عند الآلهة ، فلا يشرب منها إلّا رجل ، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء. والثالث : أنها النّاقة إذا ولدت عشرة أبطن ، كلّهنّ إناث ، سيّبت ، فلم تركب ، ولم يجزّ لها وبر ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف أو ولدها حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء ، ذكره الفرّاء. والرابع : أنها البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه الله تعالى من مرض أو بلّغه منزله أن يفعل ذلك ، قاله ابن قتيبة. قال الزجّاج : كان الرجل إذا نذر لشيء من هذا ، قال : ناقتي سائبة ، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ومرعى. والخامس : أنه البعير يحجّ عليه الحجّة ، فيسيّب ، ولا يستعمل شكرا لنجحها ، حكاه الماورديّ عن الشّافعيّ.