(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤))
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) قال المفسّرون : سبب نزول هذه الآية : استفتاء اليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمر الزّانيين ، وقد سبق (١). و «الهدى» : البيان. فالتّوراة مبيّنة صحة نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ومبيّنة ما تحاكموا فيه إليه. و «النّور» : الضّياء الكاشف للشّبهات ، والموضح للمشكلات. وفي «النّبيين الذين أسلموا» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم الأنبياء من لدن موسى إلى عيسى ، قاله الأكثرون. فعلى هذا القول في معنى «أسلموا» أربعة أقوال : أحدها : سلّموا لحكم الله ، ورضوا بقضائه. والثاني : انقادوا لحكم الله ، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء. والثالث : أسلموا أنفسهم إلى الله عزوجل. والرابع : أسلموا لما في التّوراة ودانوا بها ، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكلّ ما فيها كعيسى عليهالسلام. قال ابن الأنباريّ : وفي «المسلم» قولان : أحدهما : أنه سمّي بذلك لاستسلامه وانقياده لربّه. والثاني : لإخلاصه لربّه ، من قوله تعالى : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) (٢) أي : خالصا له.
والثاني : أنّ المراد بالنّبيين نبيّا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله الحسن ، والسّدّيّ. وذلك حين حكم على اليهود بالرّجم ، وذكره بلفظ الجمع كقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٣). وفي الذي حكم به منها قولان : أحدهما : الرّجم والقود. والثاني : الحكم بسائرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف.
والثالث : النبيّ محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم ، قاله عكرمة.
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ هادُوا) قال ابن عباس : تابوا من الكفر. قال الحسن : هم اليهود. قال الزجّاج : ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير. على معنى : إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدى ونور للذين هادوا ، يحكم بها النّبيّون الذين أسلموا. فأمّا «الرّبّانيّون» فقد سبق ذكرهم في (آل عمران). وأما «الأحبار» فهم العلماء واحدهم حبر وحبر ، والجمع أحبار وحبور. وقال الفرّاء : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار : حبر بكسر الحاء. وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه من الحبار وهو الأثر الحسن ، قاله الخليل. والثاني : أنه من الحبر الذي يكتب به ، قاله الكسائيّ. والثالث : أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء.
(٤٣٢) وفي الحديث «يخرج رجل من النّار قد ذهب حبره وسبره» أي : جماله وبهاؤه. فالعالم
____________________________________
(٤٣٢) لم أره مسندا ، وإنما أورده الزمخشري في «الفائق» ١ / ٨٥ وابن الجوزي في «غريب الحديث» ١ / ١٨٦ بدون إسناد ، ومن غير عزو ، فهذا مما لا أصل له. أي لا إسناد له.
__________________
(١) انظر الأحاديث المتقدمة عند الآية : ٤١.
(٢) سورة الزمر : ٢٩.
(٣) سورة النساء : ٥٤.