قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) قال الزجّاج : أي من بعد أن وضعه الله مواضعه ، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه. قوله تعالى : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) في القائلين لهذا قولان :
(٤٣٠) أحدهما : أنهم اليهود ، وذلك أنّ رجلا وامرأة من أشرافهم زنيا ، فكان حدّهما الرّجم ، فكرهت اليهود رجمهما ، فبعثوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يسألونه عن قضائه في الزّانيين إذا أحصنا ، وقالوا : إن أفتاكم بالجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرّجم فلا تعملوا به ، هذا قول الجمهور.
(٤٣١) والثاني : أنهم المنافقون. قال قتادة : وذلك أن بني النّضير كانوا لا يعطون قريظة القود إذا قتلوا منهم ، وإنما يعطونهم الدّية ، فإذا قتلت قريظة من النّضير لم يرضوا إلا بالقود تعزّزا عليهم ، فقتل بنو النّضير رجلا من قريظة عمدا ، فأرادوا رفع ذلك إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال رجل من المنافقين : إنّ قتيلكم قتيل عمد ، ومتى ترفعوا ذلك إلى محمّد خشيت عليكم القود ، فإن قبلت منكم الدّية فأعطوا ، وإلا فكونوا منه على حذر.
وفي معنى (فَاحْذَرُوا) ثلاثة أقوال : أحدها : فاحذروا أن تعملوا بقوله الشّديد. والثاني : فاحذروا أن تطلعوه على ما في التّوراة فيأخذكم بالعمل به. والثالث : فاحذروا أن تسألوه بعدها.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) في «الفتنة» ثلاثة أقوال : أحدها : أنها بمعنى الضّلالة ، قاله ابن عباس ومجاهد. والثاني : العذاب ، قاله الحسن ، وقتادة. والثالث : الفضيحة ، ذكره الزجّاج. قوله تعالى : (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : لا تغني عنه ، ولا تقدر على استنقاذه. وفي هذا تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر.
قوله تعالى : (لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) قال السّدّيّ : يعني المنافقين واليهود ، لم يرد أن يطهّر قلوبهم من دنس الكفر ، ووسخ الشّرك بطهارة الإيمان والإسلام.
قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أما خزي المنافقين ، فبهتك ستره وإطلاع النبيّ على كفرهم ، وخزي اليهود بفضيحتهم في إظهار كذبهم إذ كتموا الرّجم ، وبأخذ الجزية منهم. قال مقاتل : وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي النّضير بإجلائهم.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢))
قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) قال الحسن : يعني حكّام اليهود يسمعون الكذب ممّن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونها. وقال أبو سليمان : هم اليهود يسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم لبعض : محمّد كاذب ، وليس بنبيّ ، وليس في التّوراة رجم ، وهم يعلمون كذبهم. قوله تعالى :
____________________________________
(٤٣٠) أخرجه الطبري ١١٩٤١ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما ، ومع ذلك هو يتأيد بحديث البراء.
(٤٣١) ضعيف. أخرجه الطبري ١١٩٤٤ عن قتادة مرسلا ، فهو ضعيف.