هذا قول أبي روق. والثالث : أن معنى (وَرُوحٌ مِنْهُ) إنسان حيّ بإحياء الله له. والرابع : أن الرّوح : الرّحمة ، فمعناه : ورحمة منه ، ومثله (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (١). والخامس : أن الرّوح هاهنا جبريل. فالمعنى ألقاها الله إلى مريم ، والذي ألقاها روح منه ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو سليمان الدّمشقيّ. والسادس : أنه سمّاه روحا ، لأنه يحيا به الناس كما يحيون بالأرواح ، ولهذا المعنى سمّي القرآن روحا ، ذكره القاضي أبو يعلى. والسابع : أن الرّوح : الوحي أوحى إلى مريم يبشّرها به ، وأوحى إلى جبريل بالنّفخ في درعها ، وأوحى إلى ذات عيسى أن : كن فكان. ومثله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) (٢) أي. بالوحي ، ذكره الثّعلبيّ.
فأمّا قوله «منه» فإنه إضافة تشريف ، كما تقول : بيت الله ، والمعنى من أمره ، ومما يقاربها قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٣).
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) قال الزجّاج : رفعه بإضمار : لا تقولوا آلهتنا ثلاثة (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي : ما هو إلّا إله واحد (سُبْحانَهُ) ومعنى «سبحانه» : تبرئته من أن يكون له ولد. قاله أبو سليمان : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي : قيّما على خلقه ، مدبّرا لهم.
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢))
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
(٣٩٠) سبب نزولها : أنّ وفد نجران وفدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا محمّد لم تذكر صاحبنا؟ قال : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى ، قال : وأيّ شيء أقول له؟ هو عبد الله ، قالوا : بل هو الله ، فقال : إنه ليس بعار عليه أن يكون عبد الله ، قالوا : بلى ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قال الزجّاج : معنى يستنكف : يأنف ، وأصله في اللغة من نكفت الدّمع : إذا نحّيته بإصبعك من خدّك. قال الشاعر :
فبانوا فلولا ما تذكّر منهم |
|
من الحلف لم ينكف لعينيك مدمع (٤) |
قوله تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) قال ابن عباس : هم حملة العرش.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))
قوله تعالى : (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي : ثواب أعمالهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) مضاعفة الحسنات.
____________________________________
(٣٩٠) لا أصل له. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٧٧ عن الكلبي بلا سند ، والكلبي متهم.
__________________
(١) سورة المجادلة : ٢٢.
(٢) سورة النحل : ٢.
(٣) سورة الجاثية : ١٣.
(٤) لم ينسب إلى قائل كما في «اللسان» مادة ـ نكف ـ.