وهو خادعهم ، أي : مجازيهم على خداعهم. وقال الزجّاج : لمّا أمر بقبول ما أظهروا ، كان خادعا لهم بذلك. وقيل : خداعه إياهم يكون في القيامة بإطفاء نورهم ، وقد شرحنا طرفا من هذا في (البقرة). قوله تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) أي : متثاقلين. و (كُسالى) : جمع كسلان ، و «الكسل» : التّثاقل عن الأمر. وقرأ أبو عمران الجونيّ : «كسالى» بفتح الكاف ، وقرأ ابن السّميقع : «كسلى» ، بفتح الكاف من غير ألف. وإنما كانوا هكذا ، لأنهم يصلون حذرا على دمائهم ، لا يرجون بفعلها ثوابا ، ولا يخافون بتركها عقابا. قوله تعالى : (يُراؤُنَ النَّاسَ) أي : يصلّون ليراهم النّاس. قال قتادة : والله لو لا الناس ما صلّى المنافق. وفي تسمية ذكرهم بالقليل ثلاثة أقوال : أحدها : أنه سمّي قليلا ، لأنه غير مقبول ، قاله عليّ رضي الله عنه ، وقتادة. والثاني : لأنه رياء ، ولو كان لله لكان كثيرا ، قاله ابن عباس ، والحسن. والثالث : أنه قليل في نفسه ، لأنهم يقتصرون على ما يظهر ، دون ما يخفى من القراءة والتّسبيح ، ذكره الماورديّ.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣))
قوله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) المذبذب : المتردّد بين أمرين ، وأصل التّذبذب : التّحرّك ، والاضطراب ، وهذه صفة المنافق ، لأنه محيّر في دينه لا يرجع إلى اعتقاد صحيح. قال قتادة : ليسوا بالمشركين المصرّحين بالشّرك ، ولا بالمؤمنين المخلصين. قال ابن زيد : ومعنى (بَيْنَ ذلِكَ) : بين الإسلام والكفر ، لم يظهروا الكفر فيكونوا إلى الكفّار ، ولم يصدقوا الإيمان ، فيكونوا إلى المؤمنين. قال ابن عباس : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) إلى الهدى.
(٣٨٣) وقد روى ابن عمر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «مثل المنافق : مثل الشّاة العائرة (١) بين الغنمين تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ، ولا تدري أيّها تتبّع».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤))
قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) في المراد بالكافرين قولان :
أحدهما : اليهود ، قاله ابن عباس. والثاني : المنافقون ، قال الزجّاج : ومعنى الآية : لا تجعلوهم بطانتكم وخاصّتكم. والسّلطان : الحجّة الظّاهرة ، وإنما قيل للأمير : سلطان ، لأنه حجّة الله في أرضه ، واشتقاق السّلطان : من السّليط. والسّليط : ما يستضاء به ، ومن هذا قيل للزّيت : السّليط. والعرب تؤنّث السّلطان وتذكّره ، تقول : قضت عليك السّلطان ، وأمرتك السّلطان ، والتّذكير أكثر ، وبه جاء القرآن ، فمن أنّث ، ذهب إلى معنى الحجّة ، ومن ذكّر ، أراد صاحب السّلطان. قال ابن الأنباريّ : تقدير
____________________________________
(٣٨٣) صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٨٤ والنسائي ٨ / ١٢٤ وأحمد ٢ / ١٠٢ و ١٤٣ والرامهرمزي في «الأمثال» ص ٨٦ من طرق عن عبد الله بن عمر.
__________________
(١) العائرة : المترددة الحائرة لا تدري أيهما تتبع.