الأنبياء ، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك ، وقال المسلمون : كتابنا نسخ كلّ كتاب ، ونبيّنا خاتم الأنبياء ، فنزلت هذه الآية ، ثم خيّر بين الأديان بقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ). رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وإلى هذا المعنى ذهب مسروق وأبو صالح وقتادة والسّدّيّ.
(٣٦٨) والثاني : أن العرب قالت : لا نبعث ، ولا نعذّب ، ولا نحاسب ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول مجاهد.
(٣٦٩) والثالث : أن اليهود والنّصارى قالوا : لا يدخل الجنّة غيرنا ، وقالت قريش : لا نبعث ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول عكرمة.
قال الزجّاج : اسم «ليس» مضمر ، والمعنى : ليس ثواب الله عزوجل بأمانيّكم ، وقد جرى ما يدلّ على الثّواب ، وهو قوله تعالى : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
وفي المشار إليهم بقوله «أمانيّكم» قولان (١) : أحدهما : أنهم المسلمون على قول الأكثرين. والثاني : المشركون على قول مجاهد. فأمّا أمانيّ المسلمين ، فما نقل من قولهم : كتابنا ناسخ للكتب ، ونبيّنا خاتم الأنبياء ، وأمانيّ المشركين قولهم : لا نبعث ، وأمانيّ أهل الكتاب قولهم : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ، وأن النار لا تمسّنا إلا أياما معدودة ، وأنّ كتابنا خير الكتاب ، ونبيّنا خير الأنبياء ، فأخبر الله عزوجل أن دخول الجنة والجزاء ، بالأعمال لا بالأمانيّ.
وفي المراد «بالسّوء» قولان (٢) : أحدهما : أنه المعاصي.
____________________________________
(٣٦٨) ضعيف ، أخرجه الطبري ١٠٥٠٧ عن مجاهد مرسلا.
(٣٦٩) هو مرسل ، فهو واه ، والمتن غريب.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٩٠ : وأولى التأولين بالصواب ما قاله مجاهد : من أنه عنى بقوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) مشركي قريش. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) وإنما جرى ذكر أماني الشيطان المفروض ، وذلك في قوله (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) وقوله : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) ، فإلحاق معنى قوله جل ثناؤه : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) بما قد جرى ذكره قبل ، أحقّ وأولى من ادعاء تأويل فيه ، لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا أثر عن الرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا إجماع أهل التأويل. فتأويل الآية إذا : ليس الأمر بأمانيكم ، يا معشر أولياء الشيطان وحزبه ، التي يمنيكموها وليّكم عدو الله ، ولا أماني أهل الكتاب الذين قالوا اغترارا بالله وبحلمه عنهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [سورة البقرة : ٨٠]. فإن الله مجاز كل عامل منكم جزاء عمله ، من يعمل منكم سوءا ، ومن غيركم ، يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة. ولم يرجح ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٧٠ بين هذه الأقوال وإنما قال بعد ذكر الأقوال : والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان ، والعبرة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ، ولهذا قال بعده : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٩٢ : وأولى التأويلات هو أن كل من عمل سوءا صغيرا أو كبيرا من مؤمن أو كافر ، جوزي به ، وذلك لعموم الآية كل عامل سوء ، من غير أن يخصّ أو يستثنى منهم أحد فهي على عمومها. وبنحو ما قلنا تظاهر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.