قوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) قال الزجّاج : معناه : فعل الله ذلك توبة منه. قوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) أي : لم يزل عليما بما يصلح خلقه من التّكليف (حَكِيماً) فيما يقضي بينهم ، ويدبّره في أمورهم.
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))
قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً).
(٣٣٥) سبب نزولها : أنّ مقيس بن صبابة وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النّجّار ، وكان مسلما ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم رسولا من بني فهر ، فقال له : ايت بني النّجّار ، فأقرئهم مني السّلام ، وقل لهم : إنّ رسول الله يأمركم إن علمتم قاتل هشام ، فادفعوه إلى مقيس ، وإن لم تعلموا له قاتلا ، فادفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهريّ ذلك ، فقالوا : والله ما نعلم له قاتلا ، ولكنّا نعطي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فأتى الشّيطان مقيس بن صبابة ، فقال : تقبل دية أخيك ، فيكون عليك سبّة ما بقيت. أقتل الذي معك مكان أخيك ، وأفضل بالدّية ، فرمى الفهريّ بصخرة ، فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيرا منها ، وساق بقيّتها راجعا إلى مكّة ، وهو يقول :
قتلت به فهرا وحمّلت عقله |
|
سراة بني النّجّار أرباب فارع |
وأدركت ثأري واضطجعت موسّدا |
|
وكنت إلى الأصنام أوّل راجع (١) |
فنزلت هذه الآية ، ثم أهدر النبيّ صلىاللهعليهوسلم دمه يوم الفتح ، فقتل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وفي قوله تعالى : (مُتَعَمِّداً) قولان : أحدهما : متعمّدا لأجل أنه مؤمن ، قاله سعيد بن جبير. والثاني : متعمّدا لقتله ، ذكره بعض المفسرين. وفي قوله تعالى : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) قولان : أحدهما : أنها جزاؤه قطعا. والثاني : أنّها جزاؤه إن جازاه. واختلف العلماء هل للمؤمن إذا قتل مؤمنا متعمّدا توبة أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أنّ له توبة ، وذهب ابن عباس إلى أنه لا توبة له.
فصل : اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أم منسوخة؟ فقال قوم : هي محكمة ،
____________________________________
(٣٣٥) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٤٤ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بدون إسناد. وهذا إسناد ساقط مع كونه معلقا ، الكلبي متروك متهم. وأخرجه الطبري ١٠٩١ مختصرا عن عكرمة مرسلا.
__________________
النفاس يقطع التتابع ، لأنه فطر أمكن التحرز منه ، لا يتكرر كل عام ، ولا يصح قياسه على الحيض ، لأنه أندر منه ، ويمكن التحرز عنه. وإن أفطر لمرض مخوّف ، لم ينقطع التتابع أيضا. وبه قال مالك ، والشافعي في القديم وقال في الجديد : ينقطع التتابع ، لأنه أفطر اختيارا ، فانقطع التتابع. وإن أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر ، أو قطع التتابع بصوم نذر ، أو قضاء ، أو تطوّع لزمه استئناف الشهرين ، لأنه أخلّ بالتتابع المشترط ، ويقع صومه عمّا نواه.
(١) في «اللسان» العقل في كلام العرب : الدية. سراة : اسم للجمع ، والسّري : الرفيع في كلام العرب من سرا : السّرو : المروءة والشرف. الفارع : يقال فلان فارع : مرتفع طويل.