(٣٠٦) والثاني : أنّ أبا برزة (١) الأسلميّ كان كاهنا يقضي بين اليهود ، فتنافر إليه ناس من المسلمين فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس.
(٣٠٧) والثالث : أنّ يهوديّا ومنافقا كانت بينهما خصومة ، فدعا اليهوديّ المنافق إلى النبيّ ، لأنه لا يأخذ الرّشوة ، ودعا المنافق إلى حكّامهم ، لأنهم يأخذون الرّشوة ، فلمّا اختلفا ، اجتمعا أن يحكّما كاهنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الشّعبيّ.
(٣٠٨) والرابع : أنّ رجلا من بني النّضير قتل رجلا من بني قريظة ، فاختصموا ، فقال المنافقون منهم : انطلقوا إلى أبي برزة الكاهن ، فقال المسلمون من الفريقين : بل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأبى المنافقون ، فانطلقوا إلى الكاهن ، فنزلت هذه الآية. هذا قول السّدّيّ.
والزّعم والزّعم لغتان ، وأكثر ما يستعمل في قول ما لا تتحقّق صحته ، وفي الذين زعموا أنهم آمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبله قولان : أحدهما : أنه المنافق. والثاني : أن الذي زعم أنه آمن بما أنزل إليه المنافق ، والذي زعم أنه آمن بما أنزل من قبله اليهوديّ. والطّاغوت : كعب بن الأشرف ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضّحّاك ، والرّبيع ، ومقاتل. قوله تعالى : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) قال مقاتل : أن يتبرّؤوا من الكهنة ، و «الضّلال البعيد» : الطّويل.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١))
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) قال مجاهد : هذه الآية والتي قبلها نزلتا في خصومة اليهوديّ ، والمنافق ، والهاء والميم في «لهم» : إشارة إلى الذين يزعمون ، و (ما أَنْزَلَ اللهُ) : أحكام القرآن. (وَإِلَى الرَّسُولِ) أي : إلى حكمه (٢).
____________________________________
(٣٠٦) حسن. أخرجه الطبراني ١١ / ١٢٠٤٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٣٢٨ عن ابن عباس وإسناده حسن ، وقال الحافظ في «الإصابة ٤ / ١٩ : إسناده جيد. وأخرجه ابن أبي بسند صحيح كما في «الدر» ٣٢٠.
(٣٠٧) مرسل. أخرجه الطبري ٩٨٩٨ عن الشعبي مرسلا ، وهو شاهد لأصل الخبر المتقدم أولا.
(٣٠٨) مرسل. أخرجه الطبري ٩٩٠١ عن السدي مرسلا ، فهو ضعيف ، لكن يشهد للحديث المتقدم أولا.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٣٢ عن السدي بدون إسناد.
__________________
(١) وقع في المطبوع هنا وفي الحديث الآتي (٣٠٨) : «أبو بردة» والتصويب من كتب التخريج.
(٢) يفهم من سياق الآية عدم صحة إيمان من يتحاكم إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، لأن الله عزوجل سمّى من يدعي الإيمان بالقرآن وبالكتب السابقة ثم هو يتحاكم إلى ما ابتدعه البشر من تشريعات وقوانين وغير ذلك ، فقد سمى الله عزوجل ذلك المدعي للإيمان بأنه يزعم ذلك ، يعني ليس ذلك بصحيح ولا مقبول منه ، ثم ذكر الله المنافقين. وهذا دليل على أن الله عزوجل قد أدرج هذا الزاعم في زمرة المنافقين. وإن كان يدّعي الإسلام ويتظاهر بالصلاة ونحوها ، وقد قال الله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) نسأل الله السلامة.
وقال الحافظ ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٣١ : هذا إنكار من الله عزوجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ، والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنة ، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ولهذا قال (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) إلى آخرها. وقوله :