التّوبيخ. والشّهيد : نبيّ الأمّة. وبما ذا يشهد فيه أربعة أقوال : أحدها : بأنه قد بلّغ أمّته. قاله ابن مسعود ، وابن جريج ، والسّدّيّ ، ومقاتل. والثاني : بإيمانهم ، قاله أبو العالية. والثالث : بأعمالهم ، قاله مجاهد ، وقتادة. والرابع : يشهد لهم وعليهم ، قاله الزجّاج.
قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ) يعني : نبيّنا صلىاللهعليهوسلم. وفي «هؤلاء» ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم جميع أمّته ، ثمّ فيه قولان : أحدهما : أنه يشهد عليهم. والثاني : يشهد لهم فتكون «على» بمعنى : اللام. والقول الثاني : أنهم الكفار يشهد عليهم بتبليغ الرّسالة ، قاله مقاتل. والثالث : اليهود والنّصارى ، ذكره الماورديّ.
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))
قوله تعالى : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو : «لو تسوى» ، بضمّ التاء ، وتخفيف السين. والمعنى : ودّوا لو جعلوا ترابا ، فكانوا هم والأرض سواء ، هذا قول الفرّاء في آخرين. قال أبو هريرة : إذا حشر الله الخلائق ، قال للبهائم ، والدّواب ، والطّير : كوني ترابا. فعندها يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا.
وقرأ نافع ، وابن عامر : «لو تسّوّى» ، بفتح التاء ، وتشديد السين ، والمعنى : لو تتسوّى ، فأدغمت التاء في السين ، لقربها منها. قال أبو عليّ : وفي هذه القراءة اتّساع ، لأن الفعل مسند إلى الأرض ، وليس المراد : ودّوا لو صارت الأرض مثلهم ، وإنما المعنى : ودّوا لو يتسوّون بها.
ثم في المعنى للمفسّرين قولان : أحدهما : أن معناه : ودّوا لو تخرّقت بهم الأرض ، فساخوا فيها ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة ، ومقاتل. والثاني : أن معناه : ودّوا أنهم لم يبعثوا ، لأن الأرض كانت مستوية بهم قبل خروجهم منها ، قاله ابن كيسان ، وذكر نحوه الزجّاج.
وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «لو تسوّى» ، بفتح التاء ، وتخفيف السين والواو مشدّدة ممالة ، وهي بمعنى : تتسوّى ، فحذف التاء التي أدغمها نافع ، وابن عامر. فأما معنى القراءتين ، فواحد.
قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) في الحديث قولان : أحدهما : أنه قولهم : ما كنّا مشركين ، هذا قول الجمهور. والثاني : أنه أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم وصفته ونعته ، قاله عطاء. فعلى الأول يتعلّق الكتمان بالآخرة ، وعلى الثاني يتعلّق بما كان في الدنيا ، فيكون المعنى : ودّوا أنهم لم يكتموا ذلك.
وفي معنى الآية ستة أقوال : أحدها : ودّوا إذا فضحتهم جوارحهم أنهم لم يكتموا الله شركهم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس. والثاني : أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا الله حديثا بعد ذلك ، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث : أنهم في موطن لا يكتمونه حديثا ، وفي موطن يكتمون ، ويقولون : ما كنّا مشركين ، قاله الحسن. والرابع : أن قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) كلام مستأنف لا يتعلّق بقوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) ، هذا قول الفرّاء ، والزجّاج. ومعنى : لا يكتمون الله حديثا : لا يقدرون على كتمانه ، لأنه ظاهر عند الله. والخامس : أن المعنى : ودّوا لو سوّيت بهم الأرض ، وأنهم لم يكتموا الله حديثا. والسادس : أنهم لم يعتقدوا قولهم : ما كنّا مشركين كذبا ، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة ، ذكر القولين ابن الأنباريّ. وقال القاضي أبو يعلى : أخبروا بما توهّموا ، إذ كانوا