الله صلىاللهعليهوسلم وكانوا يخالطونهم ، وينتصحون لهم ، فيقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم ، فإنّا نخشى عليكم الفقر ، ولا تسارعوا في النّفقة ، فإنكم لا تدرون ما يكون ، فنزلت هذه الآية.
وفي الذي بخلوا به وأمروا الناس بالبخل به قولان : أحدهما : أنه المال ، قاله ابن عباس ، وابن زيد. والثاني : أنه إظهار صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ونبوّته ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والسّدّيّ.
قوله تعالى : (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : «بالبخل» خفيفا. وقرأ حمزة والكسائيّ : «بالبخل» محرّكا ، وكذلك في سورة الحديد.
وفي الذين آتاهم الله من فضله قولان :
أحدهما : أنهم اليهود ، أوتوا علم نعت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكتموه ، هذا قول الجمهور. والثاني : أنهم أرباب الأموال بخلوا بها ، وكتموا الغنى ، ذكره الماورديّ في آخرين (١).
قوله تعالى : (وَأَعْتَدْنا) قال الزجّاج : معناه : جعلنا ذلك عتادا لهم ، أي : مثبّتا لهم.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم اليهود ، قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل. والثاني : أنهم المنافقون ، قاله السّدّيّ ، والزجّاج وأبو سليمان الدّمشقيّ. والثالث : مشركو مكّة أنفقوا على عداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ذكره الثّعلبيّ.
والقرين : الصاحب المؤالف ، وهو فعيل من الاقتران بين الشّيئين. وفي معنى مقارنة الشّيطان قولان : أحدهما : مصاحبته في الفعل. والثاني : مصاحبته في النّار.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩))
قوله تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ) المعنى : وأيّ شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، ولا يؤمنون بالله ، لو آمنوا!. وفي الإنفاق المذكور هاهنا قولان : أحدهما : أنه الصّدقة ، قاله ابن عباس. والثاني : الزّكاة ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
وفي قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) تهديد لهم على سوء مقاصدهم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٠٨ : وقد حمل السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وكتمانهم ذلك ولهذا قال تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). ولا شك أن الآية محتملة لذلك ، والظاهر أن السياق في البخل بالمال وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء وكذلك الآية التي بعدها.
ووافقه الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٨٩ وزاد : وإنما قلنا : هذا القول أولى بتأويل الآية ، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة ولا تخلّقا ، بل ترى ذلك قبيحا وتذمّ فاعله ، وتمتدح ـ وإن هي تخلّقت بالبخل واستعملته في أنفسها ـ بالسخاء والجود ، وتعدّه من مكارم الأفعال وتحثّ عليه. ولذلك قلنا : إن بخلهم الذي وصفهم الله به ، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه.