أكبادهم بالحزن والغيظ ، وشدّة العداوة ، ومنه يقال : فلان قد أحرق الحزن كبده ، وأحرقت العداوة كبده ، والعرب تقول : العدوّ : أسود الكبد ، قال الأعشى :
فما أجشمت من إتيان قوم |
|
هم الأعداء والأكباد سود |
كأنّ الأكباد لمّا احترقت بشدّة العداوة ، اسودّت ، ومنه يقال للعدو : كاشح ، لأنه يخبأ العداوة في كشحه. والكشح : الخاصرة ، وإنما يريدون الكبد. لأن الكبد هناك. قال الشاعر :
وأضمر أضغانا عليّ كشوحها (١)
والتّاء والدّال متقاربتا المخرج ، والعرب تدغم إحداهما في الأخرى ، وتبدل إحداهما من الأخرى ، كقولهم : هرت الثوب وهرده : إذا خرقه ، وكذلك : كبت العدوّ ، وكبده ، ومثله كثير.
قوله تعالى : (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) قال الزجّاج : الخائب : الذي لم ينل ما أمّل. وقال غيره : الفرق بين الخيبة واليأس ، أنّ الخيبة لا تكون إلا بعد الأمل ، واليأس قد يكون من غير أمل.
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨))
قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) في سبب نزولها خمسة أقوال :
(٢٠٨) أحدها : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كسرت رباعيّته يوم أحد ، وشجّ في جبهته حتى سال الدّم على وجهه ، فقال : «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم ، وهو يدعوهم إلى ربّهم عزوجل؟!» فنزلت هذه الآية. أخرجه مسلم في أفراده من حديث أنس. وهو قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والرّبيع.
(٢٠٩) والثاني : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لعن قوما من المنافقين ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عمر.
والثالث : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم همّ بسبّ الذين انهزموا يوم أحد ، فنزلت هذه للآية ، فكفّ عن ذلك ، نقل عن ابن مسعود ، وابن عباس (٢).
____________________________________
(٢٠٨) حديث صحيح. أخرجه مسلم ١٧٩١ وأحمد ٣ / ٢٥٣ و ٢٨٨ وابن حبان ٦٥٧٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٢٤٤ والبيهقي في «الدلائل» من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس.
وأخرجه الترمذي ٣٠٠٢ و ٣٠٠٣ وابن ماجة ٤٠٢٧ وأحمد ٣ / ٩٩ وابن حبان ٦٥٧٤ والواحدي ٢٤٢ والبغوي ٣٦٤٢ والطبري ٧٨٠٥ و ٧٨٠٦ و ٧٨٠٧ من طريق حميد الطويل عن أنس.
(٢٠٩) ساقه المصنف بمعناه ، وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري ٤٠٦٩ و ٤٥٥٩ و ٧٣٤٦ والترمذي ٣٠٠٤ و ٣٠٠٥ وأحمد ٢ / ٩٣ وأبو يعلى ٥٥٤٧ وابن خزيمة ٦٢٢ وعبد الرزاق ٤٠٢٧ وابن حبان ١٩٨٧ والنسائي في «التفسير» ٩٥ و ٩٦ والبيهقي ٢ / ١٧٨ من حديث ابن عمر «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) فهداهم الله للإسلام. وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر اه. وأخرجه الطبري ٧٨١٧ أيضا من هذا الوجه. وانظر «فتح القدير» للشوكاني ٥٥٢ بتخريجنا.
__________________
(١) هو عجز بيت للنمر بن تولب ، وصدره : تنفذ منهم نافذات تسؤنني.
(٢) لم أره مسندا ، ولا يصح ، والصواب ما رواه الإمام مسلم وكذا البخاري.
ـ وذكره الماوردي في «تفسيره» ١ / ٤٢٣ (آل عمران : ١٢٨)