الآناء : إني. قال ابن فارس : يقال : مضى من الليل إنى وإنيان ، والجمع : الآناء. واختلف المفسرون : هل هذه الآناء معيّنة من الليل أم لا؟ على قولين : أحدهما : أنها معيّنة ، ثم فيها ثلاثة أقوال : أحدها : أنها صلاة العشاء ، قاله ابن مسعود ، ومجاهد. والثاني : أنّها ما بين المغرب والعشاء ، رواه سفيان عن منصور. والثالث : جوف الليل ، قاله السّدّيّ. والثاني : أنها ساعات الليل من غير تعيين ، قاله قتادة في آخرين.
وفي قوله تعالى : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ، قولان : أحدهما : أنه كناية عن الصلاة ، قاله مقاتل ، والفراء ، والزجّاج. والثاني : أنه السّجود المعروف ، وليس المراد أنهم يتلون في حال السجود ، ولكنهم جمعوا الأمرين ، التلاوة والسّجود.
(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥))
قوله تعالى : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر وأبو بكر عن عاصم : تفعلوا ، وتكفروه ، بالتاء في الموضعين على الخطاب ، لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ). قال قتادة : فلن تكفروه : لن يضلّ عنكم. وقرأ قوم ، منهم : حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : يفعلوا ، ويكفروه ، بالياء فيهما ، إخبارا عن الأمّة القائمة. وبقيّة أصحاب أبي عمرو يخيّرون بين الياء والتاء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧))
قوله تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) اختلفوا فيمن أنزلت على أربعة أقوال : أحدها : أنها في نفقات الكفّار ، وصدقاتهم ، قاله مجاهد. الثاني : في نفقة سفلة اليهود على علمائهم ، قاله مقاتل. والثالث : في نفقة المشركين يوم بدر. والرابع : في نفقة المنافقين إذا خرجوا مع المسلمين لحرب المشركين ، ذكر هذين القولين أبو الحسن الماورديّ. وقال السّدّيّ : إنما ضرب الإنفاق مثلا لأعمالهم في شركهم.
وفي الصّرّ ثلاثة أقوال : أحدها : أنه البرد ، قاله الأكثرون. والثاني : أنه النّار ، قاله ابن عباس ، قال ابن الأنباريّ : وإنما وصفت النّار بأنها صرّ لتصويتها عند الالتهاب. والثالث : أن الصّرّ : التّصويت ، والحركة من الحصى والحجارة ، ومنه : صرير النّعل ، ذكره ابن الأنباريّ.
والحرث : الزّرع. وفي معنى (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) قولان : أحدهما : ظلموها بالكفر ، والمعاصي ، ومنع حقّ الله تعالى. والثاني : بأن زرعوا في غير وقت الزّرع.
قوله تعالى : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) قال ابن عباس : أي : ما نقصهم ذلك بغير جرم أصابوه ، وإنما أنزل بهم ذلك لظلمهم أنفسهم بمنع حقّ الله منه ، وهذا مثل ضربه الله لإبطال أعمالهم في الآخرة.