الختان ، فإذا فعلوا ذلك ؛ قالوا : صار نصرانيا حقّا ، فنزلت هذه الآية (١) ، قاله ابن عباس.
قال ابن مسعود وابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والنّخعيّ ، وابن زيد : (صِبْغَةَ اللهِ) : دينه. قال الفرّاء : (صِبْغَةَ اللهِ) مردودة على الملّة (٢). وقرأ ابن عبلة : «صبغة الله» بالرفع على معنى : هذه صبغة الله. وكذلك قرأ : «ملة إبراهيم» بالرفع أيضا على معنى : هذه ملّة إبراهيم.
قال ابن قتيبة : المراد بصبغة الله : الختان ، فسمّاه صبغة ، لأنّ النّصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماء ويقولون : هذا طهرة لهم ، كالختان للحنفاء ، فقال الله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) ، أي : الزموا صبغة الله ، لا صبغة النّصارى أولادهم ، وأراد بها ملّة إبراهيم ، وقال غيره : إنّما سمّي الدّين صبغة لبيان أثره على الإنسان ، كظهور الصّبغ على الثّوب.
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩))
قوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ، قال ابن عباس : يريد : يهود المدينة ، ونصارى نجران. والمحاجّة : المخاصمة في الدّين ، فإنّ اليهود قالت : نحن أهل الكتاب الأوّل. وقيل : ظاهرت اليهود عبدة الأوثان ، فقيل لهم : تزعمون أنّكم موحّدون ، ونحن نوحّد ، فلم ظاهرتم من لا يوحّد؟! قوله تعالى : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ، قال أكثر المفسّرين : هذا الكلام اقتضى نوع مساهلة ، ثمّ نسخ بآية السّيف.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١))
قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) .. الآية. سبب نزولها : أنّ يهود المدينة ، ونصارى نجران قالوا للمؤمنين : إنّ أنبياء الله كانوا منّا من بني إسرائيل ، وكانوا على ديننا ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل (٣). ومعنى الآية : إنّ الله قد أعلمنا بدين الأنبياء ، ولا أحد أعلم به منه. قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ، وأبو عمرو «أم يقولون» بالياء على وجه الخبر عن اليهود. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم : (تَقُولُونَ) بالتاء لأنّ ما قبلها مخاطبة ، وهي (أَتُحَاجُّونَنا) ، وبعدها (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ).
وفي الشهادة التي كتموها قولان : أحدهما : أنّ الله تعالى شهد عندهم بشهادة لإبراهيم ومن ذكر معه أنهم كانوا مسلمين ، فكتموها ، قاله الحسن ، وزيد بن أسلم. والثاني : أنهم كتموا الإسلام وأمر محمّد وهم يعلمون أنه نبيّ ودينه الإسلام ، قاله أبو العالية ، وقتادة.
__________________
(١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» عن ابن عباس بدون إسناد ، فهو لا شيء. وأخرجه الطبري ٢١١٨ عن قتادة.
(٢) أي بدل منها.
(٣) عزاه لمقاتل وهو متروك متهم كما تقدم ، فهذا السبب ليس بشيء.