انه قد كان (١) لهم فيما مضى زمان تكليف ، فما (٢) ينالهم من الآلام في هذا الوقت فباستحقاقهم لما عصوا في ذلك الوقت.
والذي (٣) يدل على فساد قول الفريقين ما قدمناه من انه تحسن الآلام للمنافع الموفية عليها ولدفع ضرر اعظم منها وذلك يبطل قول الفريقين على كل حال. ويبطل قول البكرية أيضا ما نعلمه ضرورة إنا كنا نتألم في حال الطفولة بالأمراض والجراحات والدماميل التي لا يقدر عليها غير الله تعالى فمن دفع ذلك كان مكابرا. وأيضا فأنا نعلم ان البهيمة تجوع وتعطش فتتألم بذلك وذلك من فعل الله تعالى. على ان ما نعلمه ضرورة من هرب البهيمة من الآلام والضرب يبطل قول من قال انهم لا يألمون. ومما يبطل مذهب التناسخية ان من شرط ما يعلم من الآلام المستحقة ان يقارنها استخفاف واهانة ، ومعلوم قبح ذلك بالبهائم والاطفال ، ومن استحسن ذلك كان جاهلا مكابرا للعقول.
وأيضا فالأنبياء تتألم بالآلام ولا يجوز ان يكونوا مستحقين للعقاب لا قبل النبوة ولا بعدها لقيام الدليل على عصمتهم. وأيضا فلو كان ذلك مستحقا لوجب ان يذكر تلك الأحوال مع التذكر الشديد وانهم عصوا لأن العاقل لا يجوز ان ينسى مثل ذلك مع قوة التذكر وان نسي بعضه فلا يجوز ان ينسى جميعه. ولو جاز ان ينسى بعض العقلاء ذلك
__________________
(١) أ : كانت.
(٢) في الأصل : فيما.
(٣) أ : فالذي.