أما المقام الثانى ـ وهو القطع بوقوع المعاد الجسمانى ـ فلنا إليه طريقان : السمع ، والعقل. أما الطريق السمعى. فهو أن نقول : لما ثبت بالدليل العقلى جوازه ، وثبت بالنقل المتواتر عن جميع الأنبياء والرسل عليهمالسلام وقوعه ، وجب القطع بوقوعه. لأن الصادق اذا خبر عن وقوع أمر ممكن الوقوع ، وجب القطع به.
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ انما أثبتوا المعاد الجسمانى ، لأن القول بالمعاد الروحانى حق. وأكثر الخلق لا يمكنهم تصور المعاد الروحانى. فالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ذكروا هذا المعاد الجسمانى ، ليحصل به نظام العالم ، ثم إن من كان قوى العقل ، عرف أنه لا بد من تأويل هذه الظواهر؟
قالوا : والّذي يحقق ذلك : أن المبدأ المذكور فى الكتب الالهية ، مذكور على وجه يوهم أن ذلك المبدأ الجسمانى. ثم ان المتكلمين سلطوا التأويلات على تلك الظواهر ، وزعموا: أن المبدأ منزه عن الأحوال الجسمانية ، فكذا المعاد المذكور فى الكتب الالهية. وان كان جسمانيا. فلم لا يسلطون التأويلات عليها؟ ولم ينكرون أن يكون ذلك المعاد مبدأ عن الأحوال الجسمانية؟
فالحاصل : أن الحشوية تمسكوا بالظواهر ، وزعموا : أن الحق هو المبدأ الجسمانى والمعاد الجسمانى.
والفلاسفة سلطوا التأويلات على الظواهر ، وزعموا : أن المبدأ منزه عن الأحوال الجسمانية. وكذا المعاد.
وأما المتكلمون. فقد سلطوا التأويلات على الظواهر الواردة فى جسمانية المبدأ ، واحترزوا عن تأويلات الظواهر الواردة فى جسمانية المعاد فقط. فكان هذا تحكما محضا.