العقلية ، فان كان مجرد تجويز اشتمال الشيء على المفسدة ، يمنع من الحكم بكونه لطفا ، وجب أيضا : أن لا يحكموا بكون المعرفة لطفا ، لأن هذا الاحتمال قائم فيها.
لأنا نقول : الفرق ظاهر. وذلك لأن المعرفة لطف يجب علينا تحصيلها ، ونحن اذا عرفنا فى الشيء كونه مشتملا على جهة من جهات الحسن ، ولم نعرف فيه جهة من جهات القبح ، غلب على ظننا كونه لطفا. والظن فى حقنا قائم مقام العلم فى كونه سببا لوجوب الفعل علينا ، فلا جرم كفى هذا القدر فى أن يجب علينا تحصيل معرفة الله تعالى.
أما أنتم فانما توجبون نصب الامام على الله تعالى ، ولا يمكن الجزم بوجوبه على الله ، الا اذا ثبت أنه فى علم الله تعالى خال عن جميع جهات المفسدة. فأين أحد البابين من الآخر ، بل لو ورد دليل سمعى على أنه تعالى فعل ذلك : استدللنا بأن الله تعالى فعله ، على خلوه عن جميع جهات القبح ، وعلى كونه لطفا (١) فى نفسه ، لا على أنه واجب على الله تعالى. فظهر الفرق بين البابين.
الرابعة : لا يبعد وجود زمان. متى نصب لأهل ذلك الزمان رئيس سائس ، استنكفوا عن طاعته ، فيصير ذلك الرئيس فى ذلك الزمان ، سببا لازدياد الفتنة.
لا يقال : هذا وان كان محتملا ، الا أنه نادر. والنادر لا عبرة به.
لأنا نقول : هب أنه نادر ، الا أنه لا زمان الا ويحتمل أن يكون ذلك الزمان ، زمانا لذلك النادر. وبتقدير أن يكون كذلك ، لم يكن نصب الرئيس فيه واجبا ، وحينئذ لا يمكنكم أن تقطعوا فى شيء من الأزمنة ، بأنه يجب فيه نصب الامام الرئيس على الله تعالى.
__________________
(١) اما أنتم عكستم هذا الباب فاستدللتم بكونه لطفا فى نفسه على أنه واجب ... الخ : ب