واعلم : أن مرادنا
من اللطف : الأمر الّذي علم الله تعالى من حال المكلف أنه متى وجد ذلك الأمر ، كان
حاله الى قبول الطاعات والاحتراز عن المعاصى ، أقرب مما اذا لم يوجد ذلك الأمر ،
بشرط أن لا ينتهى الى حد الالجاء.
اذا عرفت هذا
فنقول : انما قلنا : أن نصب الامام لطف ، لأن الخلق اذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم
عن المعاصى ، ويأمرهم بالطاعات ، كان حالهم فى القرب من الطاعات ، والبعد من
المعاصى ، أكمل مما اذا لم يكن لهم مثل هذا الرئيسى. والعلم بصحة ما ذكرناه بعد
استقراء العادات ضرورى.
وانما قلنا : ان
اللطف واجب على الله تعالى لوجهين :
الأول : أن من اتخذ ضيافة الانسان ، وعلم أن ذلك الانسان لا يحضر فى
تلك الضيافة ، الا اذا ذهب إليه المضيف بنفسه ، والتمس منه الحضور ، فان صدق فيما
قال إنه يريد حضور ذلك الانسان فى ضيافته وجب أن يذهب إليه بنفسه ، ويلتمس منه
الحضور ، وان لم يذهب إليه ولم يلتمس منه الحضور ، مع علمه بأنه ان لم يفعل ذلك لم
يحضر ، علمنا : أنه ما كان يريد حضور ذلك الانسان فى ضيافته. فكذا (هاهنا) انه
تعالى (لو) أراد من العبد فعل الطاعات والاجتناب عن المحظورات وعلم أنه لا يقدم
العبد على ذلك الفعل الا اذا نصب الله تعالى له إماما ، وجب أن تكون تلك الإرادة
مستلزمة لارادة نصب الامام. فان لم يرد هذا ، امتنع كونه مريدا لتلك الطاعات.
الثانى : ان فعل اللطف ازاحة لعذر المكلف ، فوجب أن يكون واجبا ،
قياسا على التمكين.
والجواب عنه من وجوه كثيرة ذكرناها فى «نهاية
العقول» وفى كتاب «المحصول فى الأصول» ونذكر هاهنا نكتا كافية فى هذا الباب :