سائس ، يأمرهم بالأفعال الجميلة وينهاهم عن القبائح ، كان حال البلد فى البعد عن التشويش والفساد ، والقرب من الانتظام والصلاح : أتم مما اذا لم يكن لهم مثل هذا الرئيس. والعلم به ضرورى بعد استقراء العادات. فثبت : أن نصب الرئيس يقتضي اندفاع أنواع من المضار ، لا تندفع الا بنصبه. واذا كان كذلك ، كان نصب هذا الرئيس دافعا للضرر عن النفس.
وأما أن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان ، فهذا متفق عليه بين العقلاء أما عند من يقول بالحسن والقبح العقليين ، فانه يقول وجوب هذا معلوم فى بداهة العقول. وأما عند من ينكر ذلك ، فانه يقول : وجوب هذا ثابت باجماع الأنبياء والرسل وباتفاق جميع الأمم والأديان.
فان قيل : كما أن فى نصب هذا الرئيس هذه المصالح ، لكن فيه أنواع من المفاسد. منها : أنهم ربما يستنكفون عن طاعته ، فيزداد الفساد ومنها أنه ربما استولى عليهم فيظلمهم. ومنها أنه بسبب تقوية رئاسته يكثر الحرج ، فيفضى الى أخذ الأموال من الضعفاء والفقراء.
قلنا : لا نزاع فى أن هذه المحذورات قد تحصل ، لكن كل عاقل يعلم أنه اذا قوبلت المفاسد الحاصلة من عدم الرئيس المطاع ، بالمفاسد الحاصلة من وجوده. فالمفاسد الحاصلة من عدمه ، أزيد بكثير من المفاسد الحاصلة من وجوده. وعند وقوع التعارض تكون العبرة بالرجحان. فان ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل ، شر كثير.
فهذا ما فى هذا المقام.
وبيان المقام الثانى ـ وهو أنه لا يجب على الله نصب الامام ـ فالخلاف فيه مع الاسماعيلية والاثنا عشرية ، على ما شرحناه. فنقول : الدليل على أنه غير واجب : أنه لو وجب على الله نصب الامام ، لكان الواجب اما نصب امام يتمكن المكلف من الرجوع إليه والانتفاع به فى