ذكر العالم الثـبت ، العلاّمـة الحبر الجليل ، الفلكي الرياضي الشهير ، أبو ريحان البيروني في كتابه الممتع العديم النظير الآثار الباقية ، قال مانصّـه :
«وقد قرأت ـ في ما قرأت من الأخبار ـ أنّ أبا جعفر محمّد بن سـليمان ـ عامـل الكوفـة مـن جـهة المنصـور ـ حـبس عبد الكريم بن أبي العوجاء ، وهو خال معن بن زائدة ، وكان من المانوية (١) ، فكثر شفعاؤه بمدينة السلام ، وألحّوا على المنصور حتّى كتب إلى محمّد بالكفّ عنه.
وكان عبد الكريم يتوقّع ورود الكتاب في معناه ، فقال لأبي الجبّار ـ وكان منقطعاً إليه ـ : إن أخّرني الأمير ثلاثة أيام فله مئة ألف درهم ، فأعْلَمَ أبو الجبّار محمّداً.
فقال الأمير : ذكّرتنيه وقد كنت نسيته ، فإذا انصرفت من الجمعة فذكّرنيه ، فلمّا انصرف ذكّره إيّاه ، فدعا به فضرب عنقه.
فلمّا أيقن أنّه مقتول قال : أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أُحرّم بها الحلال ، وأُحلّ بها الحرام ، ولقد فطّرتكم في يوم صومكم ، وصوّمتكم في يوم فِطركم. ثمّ ضربت عنقه ، وورد الكتاب في معناه بعده» (٢). انتهى.
____________
(١) هم : أصحاب ماني بن فاتك (أفتك) الحكيم الذي ظهر في زمان شابور بن أردشير ملك الفرس ، كان في الأصل مجوسياً عارفاً بمذاهب القوم ، وقيل : إنّ أصل أبيـه من همدان ، ثمّ انتقل إلى بابل ..
زعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين ، أحدهما : نور ، والآخر : ظلمة ، وإنّهما أزليان. وقيل : إنّ ماني هذا قتل من قبل كسرى وصلبه.
انظر : الفهرست : ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ، الملل والنحل ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠.
(٢) الآثار الباقية عن القرون الخالية : ٦٧ ـ ٦٨ ؛ وانظر : تاريخ الطبري ٤ / ٥٠٨.