سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩)
قوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ) الآية مخاطبة لمحمد عليهالسلام. و : (الَّذِينَ) هم المعبودون ، والضمير في : (يَدْعُونَ) هو للكفار الذين عبدوا غير الله عزوجل ، فأعلم تعالى أن من عبد من دون الله فإنه لا يملك شفاعة عند الله يوم القيامة.
وقرأ الجمهور : «يدعون» بالياء من تحت. وقرأ ابن وثاب : «تدعون» ، بالتاء من فوق ، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار ، واختلف الناس في المستثنى ، فقال قتادة : استثنى ممن عبد من دون الله : عيسى وعزيرا والملائكة ، والمعنى فإنهم يملكون شفاعة ، بأن يملكها الله إياهم ، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمونه في كل أحوالهم ، فالاستثناء على هذا التأويل متصل وقال مجاهد وغيره : استثنى من في المشفوع فيهم ، فكأنه قال : لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهو يعلمه ، أي هو بالتوحيد ، فالاستثناء على هذا التأويل منفصل ، كأنه قال : لكن من يشهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء ، والتأويل الأول أصوب ، والله أعلم. ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله هو خالقهم وموجدهم بعد العدم ، ثم وقفهم على جهة التقرير والتوبيخ بقوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي فلأي جهة يصرفون.
وقرأ جمهور القراء بالنصب ، وهو مصدر كالقول ، والضمير فيه لمحمد عليهالسلام ، وحكى مكي قولا أنه لعيسى وهو ضعيف ، واختلف الناس في الناصب ، فقالت فرقة هو معطوف على قوله : (سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [الزخرف : ٨٠]. وقالت فرقة العامل فيه (يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] أي أقوالهم من أفعالهم. (وَقِيلِهِ). وقالت فرقة : الناصب له ما في قوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥] من قوة الفعل ، أي ويعلم قيله ، ونزل قوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِ) بمنزلة وشكوى محمد واستغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ عاصم وحمزة وابن وثاب والأعمش : و «قيله» بالخفض عطفا على (السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥]. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد : «وقيله» بالرفع على الابتداء. وخبره في قوله : (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) أي قيله هذا القول ، أو يكون التقدير : وقيله يا رب مسموع ومتقبل ، ف (يا رَبِ) على هذا منصوب الموضع ب «قيله» وقرأ أبو قلابة : «يا ربّ» بفتح الباء المشددة ، وأراد يا رب على لغة من يقول : يا غلاما ، ثم حذف الألف تخفيفا واتباعا لخط المصحف.
وقوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) موادعة منسوخة بآيات السيف.
وقوله : (سَلامٌ) تقديره : وقل أمري سلام ، أي مسالمة. (وقالت فرقة) المعنى : وقل سلام عليكم على جهة الموادعة والملاينة ، والنسخ قد أتى على هذا السلام ، فسواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة.
وقرأ جمهور القراء : «يعلمون» بالياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية هشام عنه والحسن والأعرج وأبو جعفر : «تعلمون» بالتاء من فوق.