نوف : مائة سنة ، وقيل : ثمانين سنة. وقال عبد الله بن عمر : وأربعين سنة ، ثم حينئذ يقول لهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ).
وقوله : (لَقَدْ جِئْناكُمْ) الآية ، يحتمل أن يكون من قول مالك لأهل النار ، ويكون قوله : (جِئْناكُمْ) (على حد ما يدخل أحد جملة الرئيس كناية عن نفسه في فعل الرئيس فيقول غلبناكم وفعلنا بكم ونحو هذا ، ثم ينقطع كلام مالك في قوله : (كارِهُونَ) ويحتمل أن يكون قوله : (جِئْناكُمْ) من قول الله تعالى لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك ، وفي هذا توعد وتخويف فصيح ، بمعنى انظروا كيف تكون حالكم ، ثم تتصل الآية على هذا بما بعدها من أمر قريش.
وقوله تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) من أمور كفرهم وتدبيرهم على عهد محمد صلىاللهعليهوسلم كما فعلوا في اجتماعهم على قتله في دار الندوة إلى غير ذلك ، و : (أَمْ) في هذه الآية : المنقطعة.
وقوله : (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي فإنا محكمو نصره وحمايته. والإبرام : أن تجمع خيطين ثم تفتلهما فتلا متقنا. والبريم : خيط فيه لونان.
وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ) الآية ، قال محمد بن كعب القرظي : نزلت لأن كثيرا من العرب كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يسمع السر ، ومنه حديث الثقفي والقرشيين الذين سمعهم ابن مسعود يقولون عند الكعبة : أترى الله يسمعنا؟ فقال أحدهم : يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا الحديث ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يسمع ، أي يدرك السر والنجوى ، وأن رسله الحفظة من الملائكة يكتبون أعمال البشر مع ذلك ، وتعد للجزاء يوم القيامة.
واختلف المفسرون في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) فقالت فرقة : العابدون : هو من العبادة ، ثم اختلفوا في معنى الآية بعد ذلك ، فقال قتادة والسدي والطبري ، المعنى :
(قُلْ) لهم (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) كما تقولون فأنا أول من يعبده على ذلك ، ولكن ليس به شيء من ذلك تعالى وجل. قال الطبري : فهذا الطاف في الخطاب ، ونحوه قوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].
قال القاضي أبو محمد : وقوله تعالى : في مخاطبة الكفار : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [النحل : ٢٧ ، القصص : ٦٢ ـ ٧٢ ، فصلت : ٤٧].
وقال مجاهد المعنى : إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم. وقال قتادة أيضا وزهير بن محمد وابن زيد : (إِنْ) نافية بمعنى : ما ، فكأنه قال : ما كان للرحمن ولد. وهنا هو الوقف على هذا التأويل ، ثم يبتدئ قوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) قاله أبو حاتم. وقالت فرقة : العابدون في الآية : من عبد الرجل إذا أنف وأنكر الشيء ، ومنه قول الشاعر :
متى يشأ ذو الود يصرم خليله |
|
ويعبد عليه لا محالة ظالما |
يومنه حديث عثمان وعلي في المرجومة حين قال علي : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)