الليل ، وكذلك هو الأعشى من الرجال ، ويقال أيضا : عشى الرجل يعشي عشاء إذا فسد بصره فلم ير ، أو لم ير إلا قليلا.
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري : «ومن يعش» بفتح الشين ، وهي من قولهم : عشى يعشي ، والأكثر عشى يعشو ، ومنه قول الشاعر [الحطيئة] : [الطويل]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
وفي شعر آخر [عبد الله بن الحر] :
تجد حطبا جزلا وجمرا تأججا
وقرأ الأعمش : «ومن يعش عن الرحمن» ، وسقط : (ذِكْرِ).
فالمعنى في الآية : ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن ، أي فيما ذكر به عباده ، فالمصدر إلى الفاعل ، (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) أي نيسر له ونعد ، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح ، وهذا كما يقال : إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي ، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات ، وقد روي هذا المعنى مرفوعا.
وقرأ الجمهور : «نقيض» بالنون. وقرأ الأعمش : «يقيض» ، بالياء «شيطانا» ، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس : «يقيّض له شيطان» ، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من «شيطان».
والضمير في قوله : (وَإِنَّهُمْ) عائد على الشياطين. وفي : «يصدونهم» على الكفار. و : (السَّبِيلِ) هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في : (يَحْسَبُونَ) للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر ، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري : «حتى إذا جاءانا» على التثنية ، يريد العاشي والقرين ، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي : «جاءنا» يريد العاشي وحده. وفاعل : (قالَ) هو العاشي.
وقوله : (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) يحتمل ثلاثة معان ، أحدهما : أن يريد بعد المشرق من المغرب ، فسماهما مشرقين ، كما يقال : القمران والعمران ، قال الفرزدق :
لما قمراها والنجوم الطوالع
والثاني : أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم ، ومشرقها في أقصر يوم ، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث : أن يريد (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) من المغربين ، فاكتفى بذكر (الْمَشْرِقَيْنِ).
وقوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة ، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي ، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي ، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته ، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب ، ألا ترى إلى قول الخنساء : [الوافر]