عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٣٥)
الضمير في : (قالُوا) لقريش ، وذلك أنهم استبعدوا أولا أن يرسل الله بشرا ، فلما تقرر أمر موسى وعيسى وإبراهيم ولم يكن لهم في ذلك مدفع ، رجعوا يناقضون فيما يخض محمدا عليهالسلام بعينه ، فقالوا : لم كان محمد ولم يكن نزول الشرع (عَلى رَجُلٍ) من إحدى الفرقتين (عَظِيمٍ) ، وقدر المبرد قولهم على رجل من رجلين من القريتين ، والقريتان : مكة والطائف ، ورجل مكة الذي أشاروا إليه : قال ابن عباس وقتادة هو : الوليد بن المغيرة المخزومي. وقال مجاهد هو : عتبة بن ربيعة. وقال قتادة : بلغنا أنه لم يبق فخذ من قريش إلا ادعاه. ورجل الطائف قال قتادة هو : عروة بن مسعود. وقال ابن عباس : حبيب بن عبد بن عمير. وقال مجاهد : كنانة بن عبد ياليل.
قال القاضي أبو محمد : وإنما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسن والقدم ، وإلا فرسول الله صلىاللهعليهوسلم كان حينئذ أعظم من هؤلاء ، لكن لما عظم أولئك قبل مدة النبي وفي صباه استمر ذلك لهم.
ثم وقف على جهة التوبيخ لهم بقوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) المعنى على اختيارهم وإرادتهم تنقسم الفضائل والمكانة عند الله. والرحمة : اسم يعم جميع هذا. ثم أخبر تعالى خبرا جازما بأنه قاسم المعايش والدرجات في الدنيا ليسخر بعض الناس بعضا ، المعنى : فإذا كان اهتمامنا بهم أن نقسم هذا الحقير الفاني ، فأحرى أن نقسم الأهم الخطير.
وفي قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) تزهيد في السعايات ، وعون على التوكل على الله تعالى ، ولله در القائل : [الرجز]
لما أتى نحن قسمنا بينهم زال المرا
وقرأ الجمهور : «معيشتهم». وقرأ ابن مسعود والأعمش : «معائشهم».
وقرأ جمهور الناس «سخريا» بضم السين. وقرأ أبو رجاء وابن محيصن : «سخريا» بكسر السين ، وهما لغتان في معنى التسخير ، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.
وقوله تعالى : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قال قتادة والسدي : يعني الجنة.
قال القاضي أبو محمد : لا شك أن الجنة هي الغاية ، ورحمة الله في الدنيا بالهداية ، والإيمان خير من كل مال ، وهذا اللفظ تحقير للدنيا ، ثم استمر القول في تحقيرها بقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ) الآية ، وذلك أن معنى الآية : أن الله تعالى أبقى على عبيده وأنعم بمراعاة بقاء الخير والإيمان وشاء حفظه على طائفة منهم بقية الدهر ، ولو لا كراهية أن يكون الناس كفارا كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرد لها لوسع على الكفار غاية التوسعة ومكنهم من الدنيا ، إذ حقارتهم عنده تقتضي ذلك ، لأنها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها ، فقوله : (أُمَّةً واحِدَةً) معناه : في الكفر ، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي ، ومن