بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة التّكاثر
وهي مكية لا أعلم فيها خلافا.
قوله عزوجل :
(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ(٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨)
«ألهى» معناه : شغل بلذاته ، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء ، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح : «أألهاكم» على الاستفهام ، و (التَّكاثُرُ) هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة ، وهذا هجيرى أبناء الدنيا : العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون ، وقد قال الأعشى : [السريع]
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنما العزة للكاثر |
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت» ، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) ، فقال قوم : حتى ذكرتم الموت في تفاخركم بالآباء والسلف ، وتكثرتم بالعظام الرمام ، وقال المعنى : حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرها أي قطعتم بالتكاثر أعماركم ، وعلى هذا التأويل روي أن أعرابيا سمع هذه الآية فقال : بعث القوم للقيامة ورب الكعبة ، فإن الزائر منصرف لا مقيم ، وحكى النقاش هذه النزعة من عمر بن عبد العزيز ، وقال آخرون : هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة بكم عن العبادة والتعلم زيارة القبور تكثرا بمن سلف وإشادة بذكره ، وقال ثم قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرا» فكان نهيه عليهالسلام في معنى الآية ، ثم أباح بعد لمعنى الاتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفا وبنيان النواويس عليها ، وقوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) زجر ووعيد ثم كرر تأكيدا ، ويأخذ كل إنسان من الزجر والوعيد المكررين على قدر حظه من التوغل فيما يكره ، هذا تأويل