وقرأ جمهور الناس : «في أم» بضم الهمزة ، وقرأها بكسر الهمزة يوسف والي العراق وعيسى بن عمر.
وقوله : (أَفَنَضْرِبُ) بمعنى : أفنترك ، تقول العرب أضربت عن كذا وضربت إذا أعرضت وتركته. و : (الذِّكْرَ) هنا الدعاء إلى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه ، وقال أبو صالح : (الذِّكْرَ) هنا هو العذاب نفسه ، وقال الضحاك ومجاهد : (الذِّكْرَ) القرآن.
وقوله تعالى : (صَفْحاً) انتصابه كانتصاب (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] ، فيحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنب ، فكأنه يقول : أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وغفرا لإجرامكم إذ كنتم أو من أجل أن كنتم قوما مسرفين ، أي هذا لا يصلح ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ، ويحتمل قوله : (صَفْحاً) أن يكون بمعنى مغفولا عنه ، أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبر ولا تنبهون عليه ، وهذا المعنى نظير قول الشاعر : [الطويل]
تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا |
|
ويصدع قلبي إن يهب هبوبها |
أي تمر مغفولا عنها ، فكأن هذا المعنى : أفنترككم سدى ، وهذا هو منحى قتادة وغيره ، ومن اللفظة قول كثير : [الطويل]
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة |
|
فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت |
وقرأ السميط بن عمرو السدوسي : «صفحا» بضم الصاد. وقرأ نافع وحمزة والكسائي : «إن كنتم» بكسر الألف ، وهو جزاء دل ما تقدم على جوابه. وقرأ الباقون والأعرج وقتادة : «أن كنتم» بفتح الألف. بمعنى من أجل أن ، وفي قراءة ابن مسعود : «إذ كنتم». والإسراف في الآية : هو الكفر والضلال البعيد في عبادة غير الله عزوجل والتشريك به.
وقوله تعالى : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) الآيات تسلية لمحمد عليهالسلام ، وذكر إسوة له ووعيد لهم وتهديد بأن يصيبهم ما أصاب من هو أشد بطشا. والأولون : هم الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، والضمير في قوله : (كانُوا يَسْتَهْزِؤُنَ) ظاهره العموم والمراد به الخصوص فيمن استهزأ ، وإلا فقد كان في الأولين من لم يستهزئ ، والضمير في : (مِنْهُمْ) عائد على قريش.
وقوله تعالى : (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي سلف أمرهم وسنتهم ، وصاروا عبرة عابر الدهر.
وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) الآية ابتداء احتجاج على قريش يوجب عليهم التناقض في أمرهم ، وذلك أنهم يقرون أن الخالق الموجد لهم وللسماوات والأرض هو الله تعالى ، وهم مع ذلك يعبدون أصناما ويدعونها آلهتهم ، ومقتضى جواب قريش أن يقولوا «خلقهن الله» فلما ذكر تعالى المعنى جاءت العبارة عن الله ب (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ليكون ذلك توطئة لما عدد بعد من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.