الكفار في تكذيبهم وعيد لهم في المستقبل وكرر الزجر تأكيدا ، وقال الضحاك المعنى : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) يعني الكفار على جهة الوعيد ، (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) : يعني المؤمنين على جهة الوعد. وقرأ ابن عامر فيما روى عنه مالك بن دينار والحسن بخلاف : «كلا ستعلمون» بالتاء في الموضعين على مخاطبة الحاضر كأنه تعالى يقول : قل لهم يا محمد وكرر عليهم الزجر والوعيد تأكيدا وكل تأويل في هذه القراءة غير هذا فمتعسف وقرأ ... «كلا سيعلمون» بالياء على جهة الرد والوعيد للكفار ، «ثم كلا ستعلمون» بالتاء من فوق على جهة الرد على الكفار والوعد والمؤمنين. والعلم في هذه الآية بمعنى ستعرفون ، فلذلك لم يتعد ، ثم وقفهم تعالى على آياته وغرائب مخلوقاته وقدرته التي يوجب النظر فيها الإقرار بالبعث والإيمان بالله تعالى. و «المهاد» : الفراش الممهد الوطيء وكذلك الأرض لبنيتها ، وقرأ مجاهد وعيسى وبعض الكوفيين «مهدا» ، والمعنى نحو الأول ، وشبه (الْجِبالَ) ب «الأوتاد» لأنها تمسك وتثقل وتمنع الأرض أن تميد ، و (أَزْواجاً) معناه أنواعا في ألوانكم وصوركم وألسنتكم ، وقال الزجاج وغيره معناه مزدوجين ذكرا وأنثى ، و «السبات» : السكون ، وسبت الرجل معناه استراح واتدع وترك الشغل ، ومنه السبات وهي علة معروفة سميت بذلك لأن السكون والسكوت أفرط على الإنسان حتى صار ضارا قاتلا ، والنوم شبيه به إلا في الضرر ، وقال أبو عبيدة : (سُباتاً) قطعا للأعمال والتصرف ، والسبت : القطع ومنه سبت الرجل رأسه إذا قطع شعره ، ومنه النعال السبتية وهي التي قطع عنها الشعر ، و (لِباساً) مصدر ، وكان الميل كذلك من حيث يغشي الأشخاص ، فهي تلبسه وتتدرعه ، وقال بعض المتأولين : جعله (لِباساً) لأنه يطمس نور الأبصار ، ويلبس عليها الأشياء والتصريف يضعف هذا القول ، لأنه كان يجب أن يكون ملبسا ، ولا يقال (لِباساً) إلا من لبس الثياب و (النَّهارَ مَعاشاً) على حذف مضاف أو على النسب ، وهذا كما تقول ليل نائم ، و «السبع الشداد» : السموات. والأفصح في لفظة السماء التأنيث ووصفها بالشدة ، لأنه لا يسرع إليها فساد لوثاقتها ، و «السراج» : الشمس ، و «الوهاج» : الحار المضطرم الاتقاد المتعالي اللهب ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن الشمس في السماء الرابعة إلينا طهرها ولهبها مضطرم علوا. واختلف الناس في (الْمُعْصِراتِ) ، فقال الحسن بن أبي الحسن وأبيّ بن كعب وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة : هي السموات. وقال ابن عباس وأبو العالية والربيع والضحاك : (الْمُعْصِراتِ) السحاب القاطرة ، وهو مأخوذ من العصر ، لأن السحاب ينعصر فيخرج منه الماء وهذا قول الجمهور وبه فسر عبيد الله بن الحسن بن محمد العنبري القاضي بيت حسان : [الكامل]
كلتاهما حلب العصير
وقال بعض من سميت هي السحاب التي فيها الماء تمطر كالمرأة المعصر وهي التي دنا حيضها ولم تحض بعد ، وقال ابن الكيسان : قيل للسحاب معصرات من حيث تغيث فهي من المعصرة ومنه قوله تعالى : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [يوسف : ٤٩]. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : (الْمُعْصِراتِ) الرياح ، لأنها تعصر السحاب ، وقرأ ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس وقتادة وعكرمة : «وأنزلنا بالمعصرات» ، فهذا يقوي أنه أراد الرياح ، و «الثجاج» : السريع الاندفاع كما يندفع الدم عن عروق الذبيحة ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم وقد قيل له : ما أفضل الحج؟ قال : «العج والثج» أراد التضرع إلى الله بالدعاء الجهير