بعضهم قال إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل إنسان فلتعرض ذلك الصحف علينا فنزلت الآية ، و (مُنَشَّرَةً) : معناه منشورة غير مطوية ، وقرأ سعيد بن جبير «صحفا» بسكون الحاء وهي لغة يمانية ، وقرأ : «منشرة» بسكون النون وتخفيف الشين ، وهذا على أن يشبه نشرت الثوب بأنشر الله الميت إذا لطى كالموت ، وقد عكس التيمي التشبيه في قوله : [الكامل]
ردت صنائعه عليه حياته |
|
فكأنه من نشرها منشور |
ولا يقال في الميت يحيى منشور إلا على تشبيه بالثوب وأما محفوظ اللغة فنشرت الصحيفة وأنشر الله الميت ، وقد جاء عنهم نشر الله الميت ، وقوله تعالى : (كَلَّا) رد على إرادتهم أي ليس الأمر كذلك ، ثم قال : (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) المعنى هذه العلة والسبب في إعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم للهدى حتى هلكوا ، وقرأ أبو حيوة : «تخافون» بالتاء من فوق رويت عن ابن عامر ، ثم أعاد الرد والزجر بقوله تعالى : (كَلَّا) وأخبر أن هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها (تَذْكِرَةٌ) ، (فَمَنْ شاءَ) وفقه الله تعالى لذلك ذكر معاده فعمل له ، ثم أخبر تعالى أن ذكر الإنسان معاده وجريه إلى فلاحه إنما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء إلّا بها ، وقرأ نافع وأهل المدينة وسلام ويعقوب : «تذكرون» بالتاء من فوق ، وقرأ أبو جعفر وعاصم وأبو عمرو والأعمش وطلحة وابن كثير وعيسى والأعرج : «يذكرون» بالياء من تحت ، وروي عن أبي جعفر بالتاء من فوق وشد الذال كأنه تتذكرون فأدغم ، وقوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) خبر جزم معناه : أن الله تعالى أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى ونقمه التي لا تدفع لأن يتقى ويطاع ويحذر عصيانه وخلاف أمره ، وأنه بفضله وكرمه أهل أن يغفر لعباده إذا اتقوه ، وروى أنس بن مالك أن النبيصلىاللهعليهوسلم فسر هذه الآية فقال : يقول ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله غيري ومن اتقى أن يجعل معي إلها غيري فأنا أغفر له ، وقال قتادة : معنى الآية هو أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب.
نجز تفسير سورة المدثر والحمد لله كثيرا.