محذوف معناه الوعيد والذم ، وحذفه على جهة الإبهام كنحو حذف الجواب في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) [الرعد : ٣٢] الآية ، وقال بعضهم هم رفع على خبر الابتداء تقديره هم الذين (يَبْخَلُونَ). وقال بعضهم في موضع نصب صفة ل (كُلَ) [الحديد : ٢٣] ، لأن كلّا وإن كان نكرة فهو يخصص نوعا ما فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة ، وهذا مذهب الأخفش. و : (يَبْخَلُونَ) معناه : بأموالهم وأفعالهم الحسنة من إيمانهم وغير ذلك.
وقوله تعالى : (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ) يحتمل أن يصفهم بحقيقة الأمر بألسنتهم ، ويحتمل أن يريد أنهم يقتدى بهم في البخل فهم لذلك كأنهم يأمرون.
وقرأ الحسن : «بالبخل» بفتح الباء والخاء. وقرأ جمهور القراء وأهل العراق : «فإن الله هو الغني الحميد» بإثبات : «هو» ، وكذلك في «إمامهم». وقرأ نافع وابن عامر : «فإن الله الغني الحميد» بترك «هو» ، وهي قراءة أهل المدينة ، وكذلك في «إمامهم» ، وهذا لم يثبت قراءة إلا وقد قرئ على النبي صلىاللهعليهوسلم بالوجهين. قال أبو علي ، ف «هو» في القراءة التي ثبت فيها يحسن أن يكون ابتداء ، لأن حذف الابتداء غير سائغ. و : (الْكِتابَ) اسم جنس لجميع الكتب المنزلة. (وَالْمِيزانَ) : العدل في تأويل أكثر المتأولين. وقال ابن زيد وغيره من المتأولين : أراد الموازين المصرفة بين الناس ، وهذا جزء من القول الأول.
وقوله : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) يقوي القول الأول.
وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) عبر عن خلقه وإيجاده بالإنزال كما قال في الثمانية الأزواج من الأنعام ، وأيضا فإن الأمر بكون الأشياء لما تلقى من السماء ، جعل الكل نزولا منها. وقال جمهور كثير من المفسرين : (الْحَدِيدَ) هنا : أراد به جنسه من المعادن وغيرها. وقال ابن عباس : نزل آدم من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة ، قال حذاق من المفسرين : أراد به السلاح ، ويترتب معنى الآية بأن الله أخبر أنه أرسل رسله وأنزل كتبا وعدلا مشروعا وسلاحا يحارب به من عند ولم يهتد بهدي الله فلم يبق عذر ، وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال وترغيب فيه.
وقوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) يقوي هذا التأويل ، ومعنى قوله : (لِيَعْلَمَ) أي ليعلمه موجودا فالتغير ليس في علم الله ، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود.
وقوله : (بِالْغَيْبِ) معناه : بما سمع من الأوصاف الغائبة فآمن بها لقيام الأدلة عليها.
ثم وصف تعالى نفسه بالقوة والعزة ليبين أنه لا حاجة به إلى النصرة ، لكنها نافعة من عصم بها نفسه من الناس. ثم ذكر تعالى رسالة «نوح وإبراهيم» تشريفا لهما بالذكر ، ولأنهما من أول الرسل. ثم ذكر تعالى نعمه على (ذُرِّيَّتِهِمَا). وقوله تعالى : (وَالْكِتابَ) يعني الكتب الأربعة ، فإنها جميعا في ذرية إبراهيم عليهالسلام. وذكر أنهم مع ذلك منهم من فسق وعند ، فكذلك بل أحرى جميع الناس ، ولذلك يسر السلاح للقتال.