وفي قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) جرى على استعمال العرب ، ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا والأول أبين.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر : «سنفرغ» بضم الراء وبالنون. وقرأ الأعرج وقتادة : ذلك بفتح الراء والنون ، ورويت عن عاصم ، ويقال فرغ بفتح الراء وفرغ بكسرها. ويصح منهما جميعا أن يقال يفرغ بفتح الراء وقرأ عيسى بفتح النون وكسر الراء. وقال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : بالياء المفتوحة ، قرأ حمزة والكسائي : بضم الراء. وقرأ أبو عمرو : بفتحها. وقرأ الأعمش بخلاف ، وأبو حيوة : «سيفرغ» بضم الياء وفتح الراء وبناء الفعل للمفعول. وقرأ عيسى بن عمر أيضا : «سنفرغ» ، بفتح النون وكسر الراء. وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «سنفرغ لكم أيها».
و (الثَّقَلانِ) الإنس والجن ، ويقال لكل ما يعظم أمره ثقل ، ومنه : (أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢]. وقال النبي عليهالسلام : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». ويقال لبيض النعام ثقل. وقال لبيد : [الكامل]
فتذكرا ثقلا رئيدا بعد ما |
|
ألقت ذكاء يمينها في كافر |
وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه : سمي الإنس والجن ثقلين ، لأنهما ثقلا بالذنوب وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار.
وقرأ ابن عامر : «أيّه الثقلان» بضم الهاء.
واختلف الناس في معنى قوله : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) الآية ، فقال الطبري ، قال قوم : في الكلام محذوف وتقديره : يقال لكم (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، قالوا وهذه حكاية عن حال يوم القيامة في (يَوْمَ التَّنادِ) [غافر : ٣٢] على قراءة من شدد الدال. قال الضحاك : وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض ، والجن كذلك ، لما يرون من هول يوم القيامة ، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاؤوا ، فحينئذ يقال لهم : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). وقال بعض المفسرين : بل هي مخاطبة في الدنيا. والمعنى : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) الفرار من الموت ب (أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وقال ابن عباس المعنى : إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض. والأقطار : الجهات.
وقوله : (فَانْفُذُوا) صيغة الأمر ومعناه التعجيز ، والسلطان هنا القوة على غرض الإنسان ، ولا يستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحجج أبدا من القوي في الأمور ، ولذلك يعبر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحجة. وقال قتادة : السلطان هنا الملك ، وليس لهم ملك ، والشواظ : لهب النار. قاله ابن عباس وغيره. وقال أبو عمرو بن العلاء : لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها ، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها. وقال مجاهد : الشواظ ، هو اللهب الأخضر المتقطع ، ويؤيد هذا القول. قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت :
هجوتك فاختضعت حليفا ذل |
|
بقافية تؤجج كالشواظ |