قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وكل المعلومات داخلة في البيان الذي علمه الإنسان ، فكأنه قال من ذلك البيان وفيه معتبر كون (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) فحذف هذا كله ، ورفع (الشَّمْسُ) بالابتداء ، وهذا ابتداء تعديد نعم.
واختلف الناس في قوله : (بِحُسْبانٍ) فقال مكي والزهراوي عن قتادة : هو مصدر كالحساب في المعنى وكالغفران والطغيان في الوزن. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى والضحاك : هو جمع حساب ، كشهاب وشهبان ، والمعنى أن هذين لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج وغير ذلك حسابات شتى ، وهذا مذهب ابن عباس وأبي مالك وقتادة. وقال ابن زيد لولا الليل والنهار لم يدر أحد كيف يحسب شيئا ، يريد من مقادير الزمان. وقال مجاهد : «الحسبان» الفلك المستدير ، شبه بحسبان الرحى ، وهو العود المستدير الذي باستدارته تدور المطحنة.
وقوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) قال ابن عباس والسدي وسفيان : (النَّجْمُ). النبات الذي لا ساق له ، وسمي نجما لأنه نجم ، أي ظهر وطلع ، وهو مناسب للشجر نسبة بينة. وقال مجاهد وقتادة والحسن : (النَّجْمُ) اسم الجنس من نجوم السماء ، والنسبة التي لها من السماء هي التي للشجر من الأرض ، لأنها في ظاهرهما. وسمي (الشَّجَرُ) من اشتجار غصونه وهو تداخلها.
واختلف الناس في هذا السجود ، فقال مجاهد : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته ، وكذلك في النجم على القول الآخر. وقال مجاهد أيضا ما معناه : أن السجود في هذا كله تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل ، ونحوه قول الشاعر [زيد الخيل] : [الطويل]
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
وقال : (يَسْجُدانِ) وهما جمعان ، لأنه راعى اللفظ ، إذ هو مفرد اسم للنوع وهذا كقول الشاعر [عمير بن شييم القطامي] : [الوافر]
ألم يحزنك أن حبال قومي |
|
وقومك قد تباينتا انقطاعا |
وقرأ الجمهور : «والسماء رفعها» بالنصب عطفا على الجملة الصغيرة وهي (يَسْجُدانِ) لأن هذه الجملة من فعل وفاعل وهذه كذلك. وقرأ أبو السمال : «والسماء» بالرفع عطفا على الجملة الكبيرة وهي قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) لأن هذه الجملة من ابتداء وخبر ، والأخرى كذلك.
وفي مصحف ابن مسعود : «وخفض الميزان». ومعنى : (وَضَعَ) أقر وأثبت ، و (الْمِيزانَ) : العدل فيما قال الطبري ومجاهد وأكثر الناس. وقال ابن عباس والحسن وقتادة : إنه الميزان المعروف.
قال القاضي أبو محمد : والميزان المعروف جزء من «الميزان» الذي يعبر به عن العدل. ويظهر عندي أن قوله : (وَضَعَ الْمِيزانَ) يريد به العدل.
وقوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) وقوله : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ) وقوله : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) يريد به الميزان المعروف ، وكل ما قيل محتمل سائغ.