ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود : رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء ، وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة : «اقتربت الساعة وقد انشق القمر» ، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته : «اقتربت الساعة انشق القمر» دون واو.
وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا) جاء اللفظ مستقبلا لينتظم ما مضى وما يأتي ، فهو إخبار بأن حالهم هكذا ، واختلفت الناس في معنى : (مُسْتَمِرٌّ) فقال الزجاج قيل معناه : دائم متماد. وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه : مار ذاهب عن قريب يزول. وقال أبو العالية والضحاك معناه : مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر ، أي أحكم. ومنه قول الشاعر [لقيط بن زرارة] : [البسيط]
حتى استمرت على شزر مريرته |
|
صدق العزيمة لا رتّا ولا ضرعا |
ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت ، ثم قال على جهة الخبر الجزم ، (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) يقول : وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهرا ثابتا ، والباطل يستقر زاهقا ذاهبا.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «وكل مستقر» بجر «مستقر» ، يعني بذلك أشراطها. والجمهور على كسر القاف من «مستقر» وقرأ نافع وابن نصاح بفتحها ، قال أبو حاتم : لا وجه لفتح القاف.
و : (الْأَنْباءِ) جمع نبأ ، ويدخل في هذا جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص ومثلات الأمم الكافرة ، و : (مُزْدَجَرٌ) معناه : موضع زجر وانتهاء ، وأصله : مزتجر ، قلبت التاء دالا ليناسب مخرجها مخرج الزاي ، وكذلك تبدل تاء افتعل من كل فعل أوله زاي كازدلف وازداد ونحوه.
وقوله : (حِكْمَةٌ) مرتفع إما على البدل من (ما) في قوله : (ما فِيهِ) ، وإما على خبر ابتداء تقديره : هذه حكمة و : (بالِغَةٌ) معناه : يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل. وقوله : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) ، يحتمل أن تكون «ما» نافية ، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس ، ويحتمل أن تكون «ما» استفهاما بمعنى التقرير ، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة ، ثم سلى نبيه بقوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وتم القول في قوله : (عَنْهُمْ) ثم ابتدأ وعيدهم ، والعامل في (يَوْمَ) قوله : (يَخْرُجُونَ) ، و : (خُشَّعاً) حال من الضمير في (يَخْرُجُونَ) وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال ، قال المهدوي : ويجوز أن يكون حالا من الضمير في (عَنْهُمْ). قال الرماني المعنى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) واذكر (يَوْمَ). وقال الحسن المعنى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) إلى (يَوْمَ) ، وانحذفت الواو من (يَدْعُ) لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء ، وأما حذف الياء من : (الدَّاعِ) ونحوه ، فقال سيبويه : حذفوه تخفيفا. وقال أبو علي : حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين.
وقرأ جمهور الناس : «نكر» بضم الكاف. وقرأ ابن كثير وشبل والحسن : «نكر» بكسر الكاف ، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة : «نكر» بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول ، والمعنى في ذلك كله