أسلم وسفيان : المعنى خاص ، والمراد : (وَما خَلَقْتُ) الطائعين من (الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) إلا لعبادتي ، ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قرأ : «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني» ، وقال ابن عباس أيضا معنى : (لِيَعْبُدُونِ) أي ليتذللوا لي ولقدرتي ، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع.
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل والكفار كذلك ، ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك. وتحتمل الآية ، أن يكون المعنى : ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون ، وكأن الآية تعديد نعمة ، أي خلقت لهم حواس وعقولا وأجساما منقادة نحو العبادة ، وهذا كما تقول : البقر مخلوقة للحرث ، والخيل للحرب ، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلا ، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة ، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك ، ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له». وقوله : «كل مولود يولد على الفطرة» والحديث ، وقوله : (مِنْ رِزْقٍ) أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم.
وقوله : (أَنْ يُطْعِمُونِ) إما أن يكون المعنى أن يطعموا خلقي فأضيف ذلك إلى الضمير على جهة التجوز ، وهذا قول ابن عباد. وإما أن يكون الإطعام هنا بمعنى النفع على العموم ، كما تقول : أعطيت فلانا كذا وكذا طعمة ، وأنت قد أعطيته عرضا أو بلدا يحييه ، ونحو هذا فكأنه قال : ولا أريد أن ينفعوني ، فذكر جزءا من المنافع وجعله دالا على الجميع.
وقرأ الجميع : «إن الله هو الرزاق». وروى أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن يزيد ، قال أبو عمرو الداني عن ابن مسعود قال : أقراني رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إني أنا الرزاق» وقرأ الجمهور : «إن الله هو الرزاق» وقرأ ابن محيصن «هو الرزاق»
وقرأ جمهور القراء : «المتين» بالرفع إما على أنه خبر بعد خبر ، أو صفة ل (الرَّزَّاقُ). وقرأ يحيى بن وثاب ، والأعمش «المتين» بالخفض على النعت ل (الْقُوَّةِ) ، وجاز ذلك من حيث تأنيث (الْقُوَّةِ) غير حقيقي. فكأنه قال : ذو الأيد ، أو ذو الحبل ونحوه (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) [البقرة : ٢٧٥] وجوز أبو الفتح أن يكون خفض «المتين» على الجواز و : (الْمَتِينُ) : الشديد.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يريد أهل مكة ، وهذه آية وعيد صراح ، وقرأ الأعمش «فإن للذين كفروا». والذنوب : الحظ والنصيب ، وأصله من الدلو ، وذلك أن الذنوب هو ملء الدلو من الماء ، وقيل الذنوب : الدلو العظيمة ، ومنه قول الشاعر : [الرجز]
إنا إذا نازلنا غريب |
|
له ذنوب ولنا ذنوب |
فإن أبيتم فلنا القليب
وهو السجل ، ومنه قول علقمة بن عبدة : [الطويل]
وفي كل حي قد خبطت بنعمة |
|
فحق لشأس من نداك ذنوب |
فيروى أن الملك لما سمع هذا البيت قال نعم وأذنبة ، ومنه قول حسان : [الطويل]