واختلفوا في معنى صفته بالقرب فقال قوم : وصفها بذلك لقربها من النبي صلىاللهعليهوسلم أي من مكة. وقال كعب الأحبار : وصفه بالقرب من السماء ، وروي أنها أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، وهذا الخبر إن كان بوحي ، وألا سبيل للوقوف على صحته. و : (الصَّيْحَةَ) هي صيحة المنادي و : (الْخُرُوجِ) هو من القبور ، و : «يومه» هو يوم القيامة ، و (يَوْمُ الْخُرُوجِ) في الدنيا هو يوم العيد قال حسان بن ثابت : [الكامل]
ولأنت أحسن إذ برزت لنا |
|
يوم الخروج بساحة القصر |
من درة أغلى الملوك بها |
|
مما تربّب حائر البحر |
وقوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ) العامل في (يَوْمَ) ، (الْمَصِيرُ). وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر : «تشّقق» بتشديد الشين. وقرأ الباقون : «تشقق» بتخفيف الشين و : (سِراعاً) حال قال بعض النحويين وهي من الضمير في قوله : (عَنْهُمْ) والعامل في الحال (تَشَقَّقُ) وقال بعضهم التقدير : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ) يخرجون (سِراعاً) فالحال من الضمير في : «يخرجون» ، والعامل «يخرجون».
وقوله تعالى : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) كلام معادل لقول الكفرة : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣]. وقوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) وعيد محض للكفرة. واختلف الناس في معنى قوله: (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ). فقال قتادة : نهى الله عن التجبر وتقدم فيه ، فمعناه : وما أنت عليهم بمتعظم من الجبروت. وقال الطبري وغيره معناه : وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على الإيمان ، ويقال جبرته على كذا ، أي قسرته ف «جبار» بناء مبالغة من جبر وأنشد المفضل : [الوافر]
عصينا عزمة الجبار حتى |
|
صحبنا الخوف إلفا معلمينا |
قال : أراد ب «الجبار» النعمان بن المنذر لولايته ، ويحتمل أن نصب عزمة على المصدر وأراد عصينا مقدمين عزمة جبار ، فمدح نفسه وقومه بالعتو والاستعلاء أخلاق الجاهلية والحياة الدنيا ، وروى ابن عباس أن المؤمنين قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).
قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا سببا فإنه لما أعلمه أنه ليس بمسلط على جبرهم ، أمره بالاقتصار على تذكير الخائفين من الناس.