وأنعمت بالإدراكات وهديت السبيل والنجدين وبعثت الرسل وقال الفراء معنى قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ما يكذب لدي ، لعلمي بجميع الأمور.
قال القاضي أبو محمد : فتكون الإشارة على هذا إلى كذب الذي قال : (ما أَطْغَيْتُهُ) [ق : ٢٧] وقوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ) يجوز أن يعمل في الظرف قوله : (بِظَلَّامٍ) ويجوز أن يعمل فيه فعل مضمر.
وقرأ جمهور من القراء وحفص عن عاصم : «نقول» بالنون ، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر والأعمش ورجحها أبو علي بما تقدم من قوله : «قدمت وما أنا» وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر : «يقول» على معنى يقول الله ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأهل المدينة ، وقرأ ابن مسعود والحسن والأعمش أيضا : «يقال» على بناء الفعل للمفعول.
وقوله : (هَلِ امْتَلَأْتِ) تقرير وتوقيف ، واختلف الناس هل وقع هذا التقرير؟ وهي قد امتلأت أو هي لم تمتلئ فقال بكل وجه جماعة من المتأولين وبحسب ذلك تأولوا قولها : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). فمن قال إنها كانت ملأى جعل قولها : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) على معنى التقرير ونفي المزيد ، أي هل عندي موضع يزاد فيه شيء ونحو هذا التأويل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وهل ترك لنا عقيل منزلا» ، وهو تأويل الحسن وعمرو وواصل ، ومن قال : إنها كانت غير ملأى جعل قولها (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) على معنى السؤال والرغبة في الزيادة. قال الرماني وقيل المعنى : وتقول خزنتها ، والقول إنها القائلة أظهر.
واختلف الناس أيضا في قول جهنم هل هو حقيقة أو مجاز؟ أي حالها حال من لو نطق لقال كذا وكذا فيجري هذا مجرى : شكا إلي جملي طول السرى ، ومجرى قول ذي الرمة : تكلمني أحجاره وملاعبه.
والذي يترجح في قول جهنم : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أنها حقيقة وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى وهو قول أنس بن مالك ، وبين ذلك الحديث الصحيح المتواتر قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله لجهنم هل امتلأت؟ وتقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط ، وينزوي بعضها إلى بعض» واضطرب الناس في معنى هذا الحديث ، وذهبت جماعة من المتكلمين ، إلى أن الجبار اسم جنس ، وأنه يريد المتجبرين من بني آدم ، وروي أن الله تعالى يعد من الجبابرة طائفة يملأ بهم جهنم آخرا. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن جلدة الكافر يصير في غلظها أربعون ذراعا» ويعظم بدنه على هذه النسبة ، وهذا كله من ملء جهنم وذهب الجمهور إلى أن الجبار اسم الله تعالى ، وهذا هو الصحيح ، فإن في الحديث الصحيح : «فيضع رب العالمين فيها قدمه» وتأويل هذا : ان القدم لها من خلقه وجعلهم في علمه ساكنيها ، ومنه قول الله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس : ٢] فالقدم هنا ما قدم من شيء ومنه قول الشاعر [الوضاح الخصي] : [المنسرح]
صل لربك واتخذ قدما |
|
ينجيك يوم العثار والزلل |
ومنه قول العجاج : [الرمل]
وسنى الملك لملك ذي قدم