قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر ، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم ، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية ، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم ، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر.
ثم عظم الله أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له (ما تَقَدَّمَ) من ذنبه (وَما تَأَخَّرَ) ، فقوله : (لِيَغْفِرَ) هي لام كي ، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك ، فكأنها لام صيرورة ، ولهذا قال عليهالسلام : «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا». وقال الطبري وابن كيسان المعنى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك ، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١] السورة إلى آخرها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف من وجهين أحدهما : أن سورة ، (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١] إنما نزلت من آخر مدة النبي عليهالسلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عند ما سأل عمر عن ذلك. والآخر : أن تخصيص النبي عليهالسلام بالتشريف كان يذهب ، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري ، أي سبح واستغفر لكي يغفر الله ، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع ، وما قدمناه أولا يقتضي وقوع الغفران للنبي عليهالسلام ، ويدل على ذلك قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه : أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا» فهذا نص في أن الغفران قد وقع. وقال منذر بن سعيد المعنى : مجاهدتك بالله المقترنة بالفتح هي ليغفر. وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات (لِيَغْفِرَ لَكَ) الآية ، وهذا نحو قول الطبري.
وقوله : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال سفيان الثوري : (ما تَقَدَّمَ) يريد قبل النبوءة. (وَما تَأَخَّرَ) كل شيء لم تعلمه وهذا ضعيف ، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة ، وأجمع العلماء على عصمة الأنبياء عليهمالسلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل ، وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل ، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد عليهالسلام أو لم يقع ، وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال : (ما تَقَدَّمَ) هو ذنب آدم وحواء ، أي ببركتك (وَما تَأَخَّرَ) هي ذنوب أمتك بدعائك. قال الثعلبي : الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي ولا على الإمام ، والآية ترد عليهم. وقال بعضهم : و (ما تَقَدَّمَ) هو قوله يوم بدر : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد». (وَما تَأَخَّرَ) هو قوله يوم حنين : «لن نغلب اليوم من قلة».
قال القاضي أبو محمد : وإتمام النعمة عليه ، هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة.
وقوله تعالى : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) معناه : إلى صراط ، فحذف الجار فتعدى الفعل ، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر ، والنصر العزيز : هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه ، والنصر غير العزيز : هو الذي مضمنه الحماية ودفع العدو فقط. وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين : وهي فعلية من السكون هو