ومقصده ، وهذا هو كما يقول لك إنسان معتقده وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول ، وهذا معنى قوله : (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ومن هذا المعنى قول النبي عليهالسلام : «فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض» ، الحديث أي أذهب بها في جهات الكلام ، وقد يكون هذا اللحن متفقا عليه : أن يقول الإنسان قولا يفهم السامعون منه معنى ، ويفهم الذي اتفق مع المتكلم معنى آخر ، ومنه الحديث الذي قال سعد بن معاذ وابن رواحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : عضل والقارة وفي هذا المعنى قول الشاعر [مالك بن أسماء] : [الخفيف]
وخير الحديث ما كان لحنا
أي ما فهمه عنك صاحبك وخفي على غيره ، فأخبر الله محمدا رسوله عليهالسلام أن أقوالهم المحرقة التي هي على خلاف عقدهم ستتبين له فيعرفهم بها ، واحتج بهذه الآية من جعل في التعريض بالقذف.
وقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) مخاطبة للجميع من مؤمن وكافر.
وقرأ جمهور القراء : «ولنبلونكم» بالنون ، وكذلك «نعلم» وكذلك «نبلوا» ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : «وليبلونكم الله» ، وكذلك «يعلم» «ويبلو». وروى رويس عن يعقوب : «ويبلو» بالرفع على القطع والإعلام بأن ابتلاءه دائم. وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى ، وقال : اللهم لا تبتلنا ، فإنك إن ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
وقوله تعالى : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) أي حتى يعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود وبان تكسبهم الذي به يتعلق ثوابهم ، وعلم الله بالمجاهدين قديم أزلي ، وإنما المعنى ما ذكرناه.
وقوله تعالى : (وَصَدُّوا) يحتمل أن يكون المعنى : (وَصَدُّوا) غيرهم ، ويحتمل أن يكون غير متعد ، بمعنى : وصدوهم في أنفسهم.
وقوله : (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) معناه : خالفوه ، فكانوا في شق وهو في شق. وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) قالت فرقة : نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل بعد تبينهم لأمر محمد عليهالسلام من التوراة. وقالت فرقة : نزلت في قوم من المنافقين حدث النفاق في نفوسهم بعد ما كان الإيمان داخلها. وقال ابن عباس : نزلت في المطعمين سفرة بدر ، و : «تبين الهدى» هو وجوده عند الداعي إليه. وقالت فرقة : بل هي عامة في كل كافر ، وألزمهم أنه قد (تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) من حيث كان الهدى بينا في نفسه ، وهذا كما تقول لإنسان يخالفك في احتجاج على معنى التوبيخ له : أنت تخالف في شيء لا خفاء به عليك ، بمعنى أنه هكذا هو في نفسه. وقوله : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) تحقير لهم.
وقوله : (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) إما على قول من يرى أن أعمالهم الصالحة من صلة رحم ونحوه تكتب فيجيء هذا الإحباط فيها متمكنا ، وإما على قول من لا يرى ذلك ، فمعنى (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) أنها عبارة عن إعدامه أعمالهم وإفسادها ، وأنها لا توجد شيئا منتفعا به ، فذلك إحباط على تشبيه واستعارة.