للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة : (يَعْلَمُ) متصل بقوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦] ، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة : مصدر كالخيانة ، ويحتمل في الآية أن يكون (خائِنَةَ) اسم فاعل ، كما تقول : ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها. وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات ، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى ، أو يريد بها صاحبها معنى ، ومن هذا قول النبي صلىاللهعليهوسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان ، فتلكأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم بايعه ، ثم قال عليهالسلام لأصحابه : «هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه؟» ، فقالوا يا رسول الله : ألا أومأت إلينا؟ فقال عليهالسلام : «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين». وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عزوجل : أنا مرصاد الهمم ، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون. وقال مجاهد : (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) : مسارقة النظر إلى ما لا يجوز. ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها ، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره ، فقالوا (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) : هي النظرة الثانية. (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) : أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها ، وهذا المثال جزء من (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ).
ثم قدح في جهة الأصنام ، فأعلم أنه لا رب غيره (يَقْضِي بِالْحَقِ) ، أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثل ، وينصف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك من أقضية الحق والعدل ، والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمرا. و : (يَدْعُونَ) معناه : يعبدون.
وقرأ جمهور القراء : «يدعون» بالياء على ذكر الغائب. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة: «تدعون» بالتاء على معنى قل لهم يا محمد : والذين تدعون أنتم.
ثم ذكر تعالى لنفسه صفتين بين عرو الأوثان عنهما وهي في جهة الله تعالى عبارة عن الإدراك على إطلاقه ، ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في (يَسِيرُوا) على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها الله تعالى.
وقوله : (فَيَنْظُرُوا) يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام ، ويحتمل أن يكون مجزوما عطفا على (يَسِيرُوا). و : (كَيْفَ) في قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) خبر (كانَ) مقدم ، وفي (كَيْفَ) ضمير ، وهذا مع أن تكون (كانَ) الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع ، ف (كَيْفَ) ظرف ملغى لا ضمير فيه.
وقرأ ابن عامر وحده : «أشد منكم» بالكاف ، وكذلك هي في مصاحف الشام ، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون : «أشد منهم» وكذلك هي في سائر المصاحف ، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.
والآثار في ذلك : هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي ، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء. والواقي :
الساتر المانع ، مأخوذ من الوقاية.