معنى الكلام ، ف (مِنْ) إما لابتداء الغاية ، وإما بمعنى الباء ، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب : وجماعة : «لينذر» بالياء وكسر الذال ، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى ، ويحتمل أن يعود على (الرُّوحَ) ، ويحتمل أن يعود على (مِنْ) في قوله : (مَنْ يَشاءُ). وقرأ محمد بن السميفع اليماني : «لينذر» بالياء وفتح الذال ، وضم الميم من «يوم» وجعل اليوم منذرا على الاتساع. وقرأ جمهور الناس : «لتنذر» بالتاء على مخاطبة محمد عليهالسلام ، ويوم» بالنصب.
وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة : «التلاق» دون ياء. وقرأ أبو عمرو أيضا وعيسى ويعقوب : «التلاقي» بالياء ، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر في (التَّنادِ) [غافر : ٣٢] ، ومعناه : تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض ، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم ، وقال السدي : معناه : تلاقي أهل السماء وأهل الأرض ، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم ، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفا ، وقيل يلتقي المرء وعمله.
وقوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) معناه في براز من الأرض ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، ونصب (يَوْمَ) على البدل من الأول فهو نصب المفعول ، ويحتمل أن ينصب على الظرف ويكون العامل فيه قوله : (لا يَخْفى) وهي حركة إعراب لا حركة بناء ، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن كيومئذ ، وكقول الشاعر [النابغة الذبياني] : [الطويل]
على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
وقلت ألمّا أصح والشيب وارع |
وكقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) [المائدة : ١١٩] وأما في هذه الآية فالجملة أمر متمكن كما تقول : جئت يوم زيد فلا يجوز البناء ، وتأمل.
وقوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ) أي من بواطنهم وسرائرهم ودعوات صدورهم ، وفي مصحف أبي بن كعب : «لا يخفى عليه منهم شيء» بضمير بدل المكتوبة.
وقوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) روي أن الله تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا ، فيجيب هو نفسه بقوله : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) قال الحسن بن أبي الحسن هو تعالى السائل وهو المجيب. وقال ابن مسعود : أنه تعالى يقرر فيجيب العالم بذلك ، وقيل ينادي بالتقرير ملك فيجيب الناس.
قال القاضي أبو محمد : وإذا تأمل المؤمن أنه لا حول لمخلوق ولا قوة إلا بالله ، فالزمان كله وأيام الدهر أجمع إنما الملك فيها (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، لكن ظهور ذلك للكفرة والجهلة يتضح يوم القيامة ، وإذا تأمل تسخير أهل السماوات وعبادتهم ونفوذ القضاء في الأرض فأي ملك لغير الله عزوجل.
ثم يعلم تعالى أهل الموقف بأنه يوم المجازاة بالأعمال صالحها وسيئها ، وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبيد ، وأنه يوم لا يوضع فيه أمر غير موضعه ، وذلك قوله : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ). ثم أخبرهم عن نفسه بسرعة الحساب ، وتلك عبارة عن إحاطته بالأشياء علما ، فهو يحاسب الخلائق في ساعة واحدة كما يرزقهم ، لأنه لا يحتاج إلى عد وفكرة ، لا رب غيره. وروي أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار.