الميم الأخيرة في النطق ، ولذلك وجهان : أحدهما التحريك للالتقاء مع الياء الساكنة ، والآخر : حركة إعراب ، وذلك نصب بفعل مقدر تقديره : «اقرأ حم» ، وهذا على أن تجري مجرى الأسماء ، والحجة منه قول شريح بن أوفى العبسي : [الطويل]
يذكرني حم والرمح شاجر |
|
فهلا تلا حم قبل التقدم |
وقول الكميت : [الطويل]
وجدنا لكم في آل حم آية |
|
تأولها منا تقيّ ومعرب |
وقرأ أبو السمال : (حم) بفتح الحاء وكسر الميم الآخرة ، وذلك لالتقاء الساكنين.
و : (حم) آية : و : (تَنْزِيلُ) رفع بالابتداء ، والخبر في قوله : (مِنَ اللهِ) وعلى القول بأن (حم) إشارة إلى حروف المعجم يكون قوله : (حم) خبر ابتداء. و : (الْكِتابِ) القرآن.
وقوله : (غافِرِ) بدل من المكتوبة ، وإن أردت ب (غافِرِ) المضي ، أي غفرانه في الدنيا وقضاؤه بالغفران وستره على المذنبين ، فيجوز أن يكون (غافِرِ) صفة ، لأن إضافته إلى المعرفة تكون محضة ، وهذا مترجح جدا ، وإذا أردت ب (غافِرِ) الاستقبال أو غفرانه يوم القيامة فالإضافة غير محضة ، و : (غافِرِ) نكرة فلا يكون نعتا ، لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة ، وفي هذا نظر. وقال الزجاج : (غافِرِ وَقابِلِ) صفتان. و : (شَدِيدِ الْعِقابِ) بدل ، و : (الذَّنْبِ) اسم الجنس. وأما (التَّوْبِ) فيحتمل أن يكون مصدرا كالعوم والنوم فيكون اسم جنس ، ويحتمل أن يكون جمع توبة كتمرة وتمر ، وساعة وساع. وقبول التوبة من الكافر مقطوع لإخبار الله تعالى ، وقبول التوبة من العاصي في وجوبها قولان لأهل السنة ، وحكى الطبري عن أبي بكر بن عياش أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : إني قتلت ، فهل لي من توبة؟ فقال نعم ، اعمل ولا تيأس ، ثم قرأ هذه الآيات إلى (قابِلِ التَّوْبِ). و (شَدِيدِ الْعِقابِ) : صفة ، وقيل بدل. ثم عقب هذا الوعيد بوعد ثان في قوله : (ذِي الطَّوْلِ) أي ذي التطول والمن بكل نعمة فلا خير إلا منه ، فترتب في الآية وعيد بين وعدين ، وهكذا رحمة الله تغلب غضبه.
قال القاضي أبو محمد : سمعت هذه النزعة من أبي رضي الله عنه ، وهي نحو من قول عمر رضي الله عنه : لن يغلب عسر يسريين يريد في قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥ ـ ٦].
و : (الطَّوْلِ) الإنعام ، ومنه : حليت بطائل. وحكى الثعلبي عن أهل الإشارة أنه تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ) فضلا ، (وَقابِلِ التَّوْبِ) وعدا ، و (شَدِيدِ الْعِقابِ) عدلا. وقال ابن عباس : (الطَّوْلِ) : السعة والغنى ، ثم صدع بالتوحيد في قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). وبالبعث والحشر في قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
وقوله : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) يريد جدالا باطلا ، لأن الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها وشرحها.
وقوله : (فَلا يَغْرُرْكَ) أنزله منزلة : «فلا يحزنك ولا يهمنك» ، لتدل الآية على أنهم ينبغي أن لا