الأجر يوفى (بِغَيْرِ حِسابٍ) ، وهذا يحتمل معنيين ، أحدهما : أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب ، فيقع (الصَّابِرُونَ) في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليهالسلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله : «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني : أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا عد ، بل جزافا ، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى ، ومنه قول الشاعر [طويس المغني] : [الكامل]
ما تمنعي يقضى فقد تعطينه |
|
في النوم غير مسرد محسوب |
وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة : ليس ثم والله مكيال ولا ميزان ، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] قال النبي عليهالسلام : اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة: ٢٤٥] ، فقال : اللهم زد أمتي حتى أنزلت : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) فقال : رضيت يا رب.
قوله عزوجل :
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١٥)
أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بأن يصدع للكفار فيما أمر به من عبادة ربه.
وقوله : (أُمِرْتُ) لأن معناه : وأمرت بهذا الذي ذكرت لكي أكون أول من أسلم من أهل عصري وزمني ، فهذه نعمة من الله عليه وتنبيه منه.
وقوله : (أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ) فعل معلق بشرط وهو العصيان ، وقد علم أنه عليهالسلام معصوم منه ، ولكنه خطاب للأمة يعمهم حكمه ويحفهم وعيده.
وقوله تعالى (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) تأكيد للمعنى الأول وإعلام بامتثاله كله للأمر ، وهذا كله نزل قبل القتال لأنها موادعات.
وقوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) صيغة أمر على جهة التهديد كنحو قوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] وقوله : (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) [الزمر : ٨] ، وهذا كثير. و (الَّذِينَ) في قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في موضع رفع خبر ، لأن قوله : (وَأَهْلِيهِمْ) قيل معناه أنهم خسروا الأهل الذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنة ، فهذا كما لو قال : خسروا أنفسهم ونعيمهم ، أي الذي كان يكون بهم ، وقيل أراد الأنفس والأهلين الذين كانوا في الدنيا ، لأنهم صاروا في عذاب النار ، ليس لهم نفوس مستقرة ولا بدل من