أطعتني رجعوا ، فلم يطعه ، فأصابه في جسده ، فثبت أيوب على أمر الله سبع سنين وسبعة أشهر ، قاله قتادة. وروى أنس عن النبي عليهالسلام أن أيوب بقي في محنته ثماني عشر سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ، ولم يصبر عليه إلا امرأته. وروي أن السبب الذي امتحن الله أيوب من أجله هو : أنه دخل على بعض الملوك فرأى منكرا فلم يغيره. وروي أن السبب : كان أنه ذبح شاة وطبخها وأكلت عنده ، وجار له جائع لم يعطه منها شيئا. وروي أن أيوب لما تناهى بلاؤه وصبره ، مر به رجلان ممن كان بينه وبينهما معرفة فتقرعاه ، وقالا له : لقد أذنبت ذنبا ما أذنب أحد مثله ، وفهم منهما شماتا به ، فعند ذلك دعا ونادى ربه.
وقوله عليهالسلام : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) يحتمل أن يشير إلى مسه حين سلطه الله عليه حسبما ذكرنا ، ويحتمل أن يريد : مسه إياه حين حمله في أول الأمر على أن يواقع الذنب الذي من أجله كانت المحنة ، إما ترك التغيير عند الملك ، وإما ترك مواساة الجار. وقيل أشار إلى مسه إياه في تعرضه لأهله وطلبه منه أن يشرك بالله ، فكان أيوب يتشكى هذا الفعل ، وكان أشد عليه من مرضه.
وقرأ الجمهور : «أني» بفتح الهمزة. وقرأ عيسى بن عمر : «إني» بكسرها.
وقوله : (أَنِّي) في موضع نصب بإسقاط حرف الجر.
وقرأ جمهور الناس : «بنصب» بضم النون وسكون الصاد. وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم : «بنصب» بفتح النون والصاد ، وهي قراءة الجحدري ويعقوب ، ورويت عن الحسن وأبي جعفر. وقرأ أبو عمارة عن حفص عن عاصم : «بنصب» بضم النون والصاد ، وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع والحسن بخلاف عنه ، وروى أيضا هبيرة عن حفص عن عاصم بفتح النون وسكون الصاد ، وذلك كله بمعنى واحد ، معناه المشقة ، وكثيرا ما يستعمل النصب في مشقة الإعياء ، وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ ، والصواب أنها لغات بمعنى ، من قولهم أنصبني الأمر ونصبني إذا شق علي ، فمن ذلك قول الشاعر [الطويل]
تبغاك نصب من أميمة منصب
ومثله قول النابغة : [الطويل]
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
قال القاضي أبو محمد : وقد قيل في هذا البيت إن ناصبا بمعنى منصب ، وأنه على النسب ، أي ذا نصب ، وهنا في الآية محذوف كثير ، تقديره : فاستجاب له.
وقال (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) والركض : الضرب بالرجل ، والمعنى : اركض الأرض. وروي عن قتادة أن هذا الأمر كان في الجابية من أرض الشام. وروي أن أيوب أمر بركض الأرض فركض فيها ، فنبعت له عين ماء صافية باردة فشرب منها ، فذهب كل مرض في داخل جسده ، ثم اغتسل فذهب ما كان في ظاهر بدنه. وروي أنه ركض مرتين ونبع له عينان : شرب من إحداهما ، واغتسل في الأخرى وقرأ نافع وشيبة وعاصم والأعمش : «بعذاب اركض» ، بضم نون التنوين. وقرأ عامة قراء البصرة : «بعذاب اركض» ، بنون مكسورة و : (مُغْتَسَلٌ) معناه : موضع غسل ، وماء غسل ، كما تقول : هذا الأمر معتبر ، وهذا الماء مغتسل مثله.