نصب على المصدر ، أي أحببت هذه الخيل حب الخير ، وتكون (الْخَيْرِ) على هذا التأويل غير الخيل ، وفي مصحف ابن مسعود : «حب الحيل» ، باللام. وقالت فرقة : (أَحْبَبْتُ) معناه : سقطت إلى الأرض لذنبي ، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيا وسقط هزالا. و (حُبَ) على هذا مفعول من أجله. والضمير في (تَوارَتْ) للشمس ، وإن كان لم يجر لها ذكر صريح ، لأن المعنى يقتضيها ، وأيضا فذكر العشي يقتضي لها ذكرا ويتضمنها ، لأن العشي إنما هو مقدر متوهم بها. وقال بعض المفسرين في هذه الآية : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) يريد الخيل ، أي دخلت اصطبلاتها. وقال ابن عيسى والزهري : إن مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف ، بل بيده تكريما لها ومحبة ، ورجحه الطبري. وقال بعضهم : بل غسلا بالماء ، وقد يقال للغسل مسح ، لأن الغسل بالأيدي يقترن به ، وهذه الأقوال عندي إنما تترتب على نحو من التفسير في هذه الآية. وروي عن بعض الناس ، وذلك أنه رأى أن هذه القصة لم يكن فيها فوت صلاة ولا تضمن أمر الخيل أوبة ولا رجوعا ، فالعامل في : (إِذْ عُرِضَ) فعل مضمر تقديره : اذكر إذ عرض ، وقالوا عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة ، فأشار إليهم ، أي في الصلاة ، فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الاصطبلات ، فقال هو لما فرغ من صلاته : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها (رُدُّوها عَلَيَ) فطفق يمسح أعناقها وسوقها محبة لها ، وذكر الثعلبي أن هذا المسح إنما كان وسما في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. وجمهور الناس على أنها كانت خيلا موروثة. قال بعضهم : قتلها حتى لم يبق منها أكثر من مائة فرس ، فمن نسل تلك المائة كل ما يوجد اليوم من الخيل ، وهذا بعيد. وقالت فرقة : كانت خيلا أخرجتها الشياطين له من البحر وكانت ذوات أجنحة. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها كانت عشرين فرسا. وطفق معناه : دام يقتل ، كما تقول : جعل يفعل.
وقرأ جمهور الناس : «بالسوق» بسكون الواو وهو جمع ساق. وقرأ ابن كثير وحده : «السؤق» بالهمز. قال أبو علي : وهي ضعيفة ، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو قدر أنها عليها فهمزت كما يفعلون بالواو المضمومة ، وهذا نظير إمالتهم ألف «مقلات» من حيث وليت الكسرة القاف ، قدروا أن القاف هي المكسورة ، ووجه همزة السوق من السماع أن إباحية النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة ، وكان ينشد :
لحب الموقدين إليّ موسى
وقرأ ابن محيصن : «بالسؤوق» بهمزة بعدها الواو.
وقوله تعالى : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) فإن (عَنْ) على كل تأويل هنا للمجاورة من شيء إلى شيء ، وتدبره فإنه مطرد.
ثم أخبر الله تعالى عن فتنته لسليمان وامتحانه إياه لزوال ملكه ، وروي في ذلك أن سليمان عليهالسلام قالت له حظية من حظاياه إن أخي له خصومة ، فأرغب أن تقضي له بكذا وكذا بشيء غير الحق ، فقال سليمان عليهالسلام : أفعل ، فعاقبه الله تعالى بأن سلط على خاتمه جنيا ، وذلك أن سليمان عليهالسلام