لأن (مَثْنى) بمنزلة قولك اثنين اثنين ، وقال قتادة : إن أنواع الملائكة هي هكذا منها ما له جناحان ، ومنها ما له ثلاثة ، ومنها ما له أربعة ، ويشذ منها ما له أكثر من ذلك ، وروي أن لجبريل ستمائة جناح منها اثنان تبلغ من المشرق إلى المغرب ، وقالت فرقة المعنى أن في كل جانب من الملك جناحين ، ولبعضهم ثلاثة في كل جانب ، ولبعضهم أربعة ، وإلا فلو كانت ثلاثة لكل واحد لما اعتدلت في معتاد ما رأيناه نحن من الأجنحة ، وقيل بل هي ثلاثة لكل واحد كالحوت والله أعلم بذلك ، وقوله تعالى : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب عند الخبر بالملائكة أولي الأجنحة ، أي ليس هذا يبدع في قدرة الله تعالى فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، وروي عن الحسن وابن شهاب أنهما قالا المزيد هو حسن الصوت قال الهيثم الفارسي : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم فقال لي : أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا ، وقيل الزيادة الخط الحسن ، وقال النبي عليهالسلام : «الخط الحسن يزيد الحق وضوحا» ، وقال قتادة الزيادة ملاحة العينين.
قال القاضي أبو محمد : وقيل غير هذا وهذه الإشارة إنما ذكرها من ذكرها على جهة المثال لا أن المقصود هي فقط ، وإنما مثل بأشياء هي زيادات خارجة عن الغالب الموجود كثيرا وباقي الآية بين ، وقوله (ما يَفْتَحِ اللهُ ما) شرط ، و (يَفْتَحِ) جزم بالشرط ، وقوله (مِنْ رَحْمَةٍ) عام في كل خير يعطيه الله تعالى للعباد جماعتهم وأفذاذهم ، وقوله (مِنْ بَعْدِهِ) فيه حذف مضاف أي من بعد إمساكه ، ومن هذه الآية سمت الصوفية ما تعطاه من الأموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات ، ومنها كان أبو هريرة يقول مطرنا بنوء الفتح ، وقرأ الآية ، وقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب لقريش وهو متجه لكل كافر ، ولا سيما لعباد غير الله ، وذكرهم تعالى بنعمة الله عليهم في خلقهم وإيجادهم ، ثم استفهمهم على جهة التقرير والتوقيف بقوله (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) أي فليس إله إلا الخالق لا ما تعبدون أنتم من الأصنام ، وقرأ حمزة والكسائي «غير» بالخفض نعتا على اللفظ وخبر الابتداء (يَرْزُقُكُمْ) وهي قراءة أبي جعفر وشقيق وابن وثاب ، وقرأ الباقون غير نافع بالرفع ، وهي قراءة شيبة بن نصاح وعيسى والحسن بن أبي الحسن ، وذلك يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها النعت على الموضع والخبر مضمر تقديره في الوجود أو في العالم وأن يكون «غير» خبر الابتداء الذي هو في المجرور والرفع على الاستثناء ، كأنه قال هل خالق إلا الله ، فجرت «غير» مجرى الفاعل بعد (إِلَّا) ، وقوله (مِنَ السَّماءِ) يريد بالمطر ومن (الْأَرْضِ) يريد بالنبات ، وقوله (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) معناه فلأي وجه تصرفون عن الحق ، ثم سلى نبيهصلىاللهعليهوسلم بما سلف من حال الرسل مع الأمم ، و (الْأُمُورُ) تعم جميع الموجودات المخلوقات إلى الله مصير جميع ذلك على اختلاف أحوالها ، وفي هذا وعيد للكفار ووعد للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم وعظ عزوجل جميع العالم وحذرهم غرور الدنيا بنعيمها وزخرفها الشاغلة عن المعاد الذي له يقول الإنسان : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) [الفجر : ٢٤] ولا ينفعه ليت يومئذ ، وحذر غرور الشيطان ، وقوله (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) عبارة عن جميع خبره عزوجل في خير وتنعم أو عذاب أو عقاب ، وقرأ جمهور الناس «الغرور» بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس ، وقرأ سماك العبدي وأبو حيوة «الغرور» بضم الغين وذلك يحتمل أن يكون جمع غار كجالس وجلوس ، ويحتمل أن يكون جمع غر وهو مصدر غره يغره غرا ، ويحتمل أن يكون مصدرا وإن كان شاذا